سلمان بن محمد العُمري
مما يبشّر بالخير ويبعث الاطمئنان في النفس القرارات الحكيمة التي نسمعها بين الفينة والأخرى، والتي تصبّ جميعها في المصلحة العامة وخدمة البلاد والعباد، ومن تلكم القرارات الأخيرة بشأن الأوقاف التي فقد كانت من مطامح المهتمين بهذا الشأن، ففي وقت سابق أصدر المجلس الأعلى للقضاء توجيهاً بتخصيص قضاة للنظر في قضايا الأوقاف والوصايا وإنهاءاتها ثم التوجيه السامي الكريم الذي صدر مؤخراً بتنظيم هيئة الأوقاف وجعلها هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة وترتبط برئيس مجلس الوزراء، وهو امتداد للقرار السابق الصادر عام 1431 هـ. والذي أعلن فيه إنشاء هيئة الأوقاف، وهو قرار حكيم يؤمّل منه - بإذن الله - أن يكون نقلة نوعية في مجال الأوقاف لا سيّما وأنّ هذا القرار جاء بعد دراسة طويلة ومستفيضة من عدد من الهيئات والمصالح المختلفة، والاستقلال المالي والإداري للهيئة وارتباطها برئيس مجلس الوزراء سيجعل لها انطلاقة جديدة في العمل وقوة وفاعلية.
ولقد استبشر المهتمون بأمر الأوقاف بهذا القرار المبارك الذي سيسهم في إحياء سنة الوقف في المجتمع ووفق رؤية عملية تطويرية في إدارة الأوقاف وتنميتها وعلاج كافة المعوقات التي ترسّبت وأسهمت في تأخرها وتراجعها عن تحقيق دورها المنتظر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتنتظر تنظيماً عملياً ينطلق من ثوابت شرعية ورؤية استراتيجية غير تقليدية تسهم في تطوير الأوقاف وتنميتها وبما يحقّق شروط واقفيها ويعزّز من أدوارها التنموية في كل المجالات لكي تؤدّي الأوقاف رسالتها.
ولقد تناولت في مقالات سابقة مقترحات تتعلّق بتطوير الأوقاف وتعزيز مكانتها ونشر ثقافتها ويضاف لذلك ما دوّنته في كتابي السابق (ثقافة الوقف في المجتمع السعودي بين التقليد ومتطلبات العصر -رؤية من منظُورٍ اجتماعيٍّ شرعيٍّ). ولقد رأيت - ولله الحمد - أن ما تم طرحه من مقترحات وتوصيات في الكتاب أم في المقالات قد لاقى - ولله الحمد - آذاناً صاغية وقبولاً لدى جهات الاختصاص والمختصّين بالدراسات التنظيمية، ولعلّي أسوق على ذلك مثالاً فيما طرحته سابقاً بإنشاء شركات متخصصة في إدارة الأوقاف كحل جذري لمشكلة إدارة الأوقاف والتي يفكّر فيها الواقفون في إقامتها قبل مماتهم بحيث تقوم شركات متخصصة بإدارة الأوقاف، ويتم خصم مستحقات الإدارة من إيرادات الوقف. وقد نصّ نظام الهيئة الجديد - ولله الحمد - على ذلك.
وإن من مهام مجلس إدارة هيئة الأوقاف في التنظيم المقترح حق إنشاء شركات تابعة للهيئة تتولى جزءًا من مهام الهيئة الاستثمارية إلى جانب المرونة في هذا النظام التي ستوجد صيغ استثمارية وقفية جديدة، ومنها: إنشاء الصناديق الوقفية التي تم المطالبة بها في الدراسة التي قدّمتها سابقاً.
كما أنّ مجلس الوزراء وافق على إنشاء مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ويرتبط تنظيمياً بمجلس الوزراء ويكون مقرّه المدينة المنورة ويكون للمجمع مجلس أمناء برئاسة أمير منطقة المدينة المنورة، ويهدف المجمع على المحافظة على المكتبات الوقفية وخدمتها وإتاحتها للعامة. وهذا القرار هو الآخر ترجمة حقيقية لاهتمامات القيادات الرشيدة الراشدة بالوقف عموماً والمكتبات الوقفية. وكنت قد كتبت سابقاً عن المكتبات العلمية لدى بعض العلماء، وطلبة العلم، والمهتمين بجمع الكتب، وذكرت في المقالة عمّا ينتهي إليه حال بعض المكتبات العلمية لدى الباحثين، وطلبة العلم بعد وفاتهم من إهمال، وتشتيت لينتهي بها الحال في «الحراج»، أو أرفف الكتب المستعمل!!
واستشهدت بإحضار أحد المحبّين مجموعة من الكتب التي اشتراها من أحد المكتبات التي تبيع الكتاب المستعمل، ورأيت ختماً لأحد طلبة العلم على هذا الكتاب، وفيها بعض شروحه وتعليقه على الكتاب.
وطالبت حينها من كل مكتبة في جامعة أو كلية أو معهد علمي أو مكتبة عامة أن تفتح ذراعيها للمتبرعين باستقبال الكتب بوجهٍ عام، أو تكريم أصحابها بتخصيص جناح في المكتبة يحمل اسم المتبرع، وتشجيع أهل العلم على حفظ هذه الكنوز قبل أن تضيع.
لقد سعى بعض الأدباء والمثقفين في حفظ الكنز الثمين، وحفظ اسمهم في إرث علمي ثقافي، ورغبوا في إهدائها لبعض المراكز العلمية والبحثية، فاعتذرت بعض الجامعات، ومن هنا فأنا بقدر مناشدتي لأصحاب المكتبات العلمية الجيّدة ووقفها، أتمنى في المقابل أن تبادر الجهات العلمية إلى احتواء هذه المكتبات والإهداءات، وتقدير مبادرة أصحابها، واحتضانها من الضياع. ولعل «مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية» الجديد يحل هذه الإشكالية.