التفكير المستنير في المجتمع حالة بناءة، يتكاتف الشعب فيها وبها مع بعضه بعضًا، ويلتف حول قيادته بما تملك من بُعد في النظر ومن جهود تُبذل للمحافظة على الأمن الذي ينعم به الوطن، والحفاظ على مكتسباته، وتطوير اقتصاده ومقدراته بالاعتماد على الذات تحديدًا. والإنسان بلا وطن وقيادة مثل روح بلا جسد؛ إذ الوطن ليس مسقط الرأس فقط، بل هو المكان الذي يرتبط مصيرنا به، وفيه قيادتنا والمرجعية، ولنا فيه أرض، وأسرة، وأقارب، وأعمال.. وبه نشعر بالفخر والاعتزاز، وتترسخ الهوية. ولا يكفي أن يقول الإنسان بوطنيته، بل إن عليه أن يحول هذا الإحساس إلى انتماء وإنجاز؛ إذ إن الوطن هو العنوان، وبدونه لا سلامة ولا أمان، ويجب البرهان على حبه بالقول والفعل البنَّاء، لا بالقول الهادم والانكفاء، ولأجله ينبغي تحمُّل ما خف وثقل من الأعباء والصعاب؛ إذ لا قيمة للإنسان إلا بالوطن الذي يؤويه في أوقات الرخاء، وفي الشدائد يحميه.
والفكر المستنير متعددة معانيه وأوجهه، وهي تشمل - فيما تشتمل عليه - النظر للحياة بمنظور التفاؤل الدائم، والتأثير الإيجابي في الآخرين، والشعور بالسعادة حتى في أشد أوقات الحزن وأحلكها، وهو جهد إبداعي، يعبِّر عن الفكر المتجدد والإداري والعلم المنظم، ويعني كذلك بقاء نافذة الأمل مشرعة باستمرار أمام صاحبها، لا يضيره الصعاب التي تعترض طريقه. كما قد يكون منفعة تُقدَّم للآخرين، أو سرورًا يدخل عليهم.. وربما كل مشهد يمنح الإنسان الشعور بالرضا والقبول والارتقاء إلى مستويات التفوق والتميز.
وصاحب الفكر المستنير ذو رؤية بصيرة مستشرفة، يفكر بكل ما هو إيجابي لوطنه، ويعود بالفائدة عليه، والانتقال به من مرحلة متطورة إلى أخرى أكثر تطوُّرًا. ومن ذلك الرؤية المستنيرة الاستراتيجية آفاقها، والمتعددة رسائلها للمحيط العربي لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد في المملكة العربية السعودية، الذي يسعى ويهدف من خلالها إلى نقل اقتصاد المملكة العربية السعودية من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد استثماري، تتعدد فيه مصادر الدخل، بما يعزز من إمكانات الدولة في المضي قدمًا في برامجها وخططها المعيشية والتنموية، وتحقيق الرفاهية المستدامة لشعبها.
وبالرغم مما كثر وتعدد من وسائل الراحة المتوافرة للإنسان في العصر الحديث؛ ما يستلزم استنارة في الفكر وتحويله إلى عطاء وإنجاز وانتماء حقيقي للأوطان، إلا أن ضحالة التفكير ربما تطغى في بعض الأحيان على توجهات صاحبها في كيفية تعاطيه مع القرارات المصيرية التي تهم دولته، وتتطلب منه النظر بحكمة وروية إلى الظروف السائدة في مجتمعه الذي تغلبت فيها المصالح الطائفية والشخصية على المصالح العليا للدولة ورفاهيتها وازدهارها وديمومتها.
الوضع في سوريا خير برهان في هذه الحالة؛ إذ يلاحظ ما آلت إليه أحوال البلد من الدمار والتقسيم وفقدان الأمن الأمان؛ إذ غدا القتل وإلقاء البراميل المتفجرة أسهل من شربة ماء أو تناول وجبة طعام. ولربما مكن قرار واحد من رأس النظام قبل تعاظم الأمور واستفحالها إلى ما انتهت عليه، بالنزول عند رغبة شعبه، ووضع حد لمأساة ما زالت متواصلة منذ أكثر من ست سنوات، وعادت فيه الدولة السورية سنين إلى الوراء، من الإبقاء على سلامة الدولة ومقدراتها ومواطنيها الذين يواجهون في حياتهم اليومية بؤس الحياة والجوع والعطش، أو انتظار الموت بفعل برميل متفجر أو قنبلة أو صاروخ، أو تذوق مرارة التشرد وترك الوطن ربما إلى غير رجعة، وهي واقعة ربما تترك في سلبيتها وفي مراراتها على المرء تأثيرات نفسية وجروحًا غائرة، لا تتعافى تمامًا بمرور الزمن.
ما هي ضحالة التفكير إذن؟ هي تعني الفكر السطحي الذي يتمكن من الإنسان، بما يرافقه من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية وقرارات سياسية، لا تؤثر إيجابيًّا في حياته وعلاقته مع الغير، وهي تأتي عن طريق العادات السيئة والأفكار المتوافرة غير البناءة، التي قد تقود الإنسان إلى العجز عن اتخاذ القرارات الصائبة في الأوقات المناسبة، واستشراف المستقبل، وعدم القدرة على خلق الفرص من رحم المصاعب، مع ما يصاحب ذلك من خوف وتردد؛ ما يجعل الإنسان متقوقعًا داخل شرنقته، لا يمنح الآخرين شيئًا مثيرًا للسرور في النفس خلال المظاهر السلبية التي تغدو ملازمة له، مثل الغضب والتذمر والتردد، بل تزيده احتقانًا حتى يصبح عاجزًا عن اتخاذ قرار صحيح، وتظل بسببها الأولوية لمنفعته الشخصية ومحيطه الضيق أيًّا ما تكن النتائج المترتبة على ذلك حتى لو تطلب الأمر إبادة شعبه على يديه.