منذ فجر الخليقة حاول الإنسان أن يعتمد على نفسه في الفعل والترك والقبول والرفض، ثم أنزل الله كتبه وبعث أنبياءه لتوحيده سبحانه وتنظيم هذه الحياة وجعلها أكثر عدلاً، وقد يخطئ كثير من الناس عندما يظن الأديان السماوية متباعدة الأصول متنافرة الاتجاه، فإن الله بعث أنبياءه على مر الزمان بدين واحد، والحقائق التي أراد تعليمها للناس في مجالات التربية النفسية والتعارف الاجتماعي متقاربة إن لم تكن متحدة، والمرسلون على اختلاف أممهم إخوة، ومن ثم كانت رسالات الله تغييرا حقيقيا للنفس والمجتمع، لا تبرد على العوج والفساد والظلم، ومع أن هذه القرابة الروحية من حقها أن تجمع لا أن تفرق، وأن توقظ مشاعر التعاون والتعاطف لا مشاعر القطيعة والخصام، إلا أن الصراع بين هذه الأديان لم يهدأ يوما، وهو الذي يحكم السياسة العالمية حتى اليوم، وما مشكلة إسرائيل التي قامت على أساس ديني إلا دليل على هذا الصراع، والضمير الديني لدى «الاستعماريين» من أوربيين وأمريكان الذي حالف زميله على غيه، وعاونه على ارتكاب جريمته، وأمده بالسلاح ليفتك، وبالمال ليقوى ويضرى! وأصبحت هذه المشكلة امتدادا لصراع عبر التاريخ بين الأديان حتى الآن، وهذا الصراع هو الذي يحكم السياسة والاقتصاد العالمي..!
وإذا أتينا إقليميا فالتطرف الديني والصراع المذهبي هو الذي يعبث بالأنفس والدول والمال.! ففي الشام والعراق واليمن، صراع مذاهب وحرب متطرفين، وفي لبنان صراع ديني ومذهبي، والمغرب العربي ومصر إرهاب وتطرف ديني، ولم تسلم حتى دول الخليج التي عرفت باعتدالها.
لقد شرع الله الدين الخاتم ليكون وسيلة للفوز بالحسنيين، وليس غاية للتناطح والإرباك حتى الممات.. إن الإسلام رسالة من السماء، وأمة تطبقها على ظهر الأرض وقد أجمع علماء الأصول على تعريف الحكم الشرعي بأنه خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين، ومعنى ذلك أن الحكم لا يكون شريعة إلا إذا كان له سند إلهي.. والتراث الإسلامي مضبوط الاستدلال في هذه الميادين، وهو يتحدث بجلاء عن المقطوع والمظنون والواجب والمندوب والمحرم والمكروه وعما سكت الوحي عنه لنتصرف نحن بعقولنا فيه {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}.
لقد استطاعت القوى المعادية للإسلام أن تستغل هذه الفوضى الضاربة في شؤوننا كلها، وشرعت تجهز علينا، وأفرزت هذه الفوضى داخليا من البيت الواحد إرهابي، ومتحرر، وقد يكون أيضا ملحدا والعياذ بالله!؟ وأصبح الناس يصنفون على حسب مظاهرهم، هذا ملتزم وطالب علم، وذاك ليبرالي تغريبي..!؟ والطامة الكبرى أن يقتل الأبناء أمهم باسم الدين!؟.. إنها والله مصيبة.. من أين استقوا فتواهم؟ إن هذه الحادثة المخالفة للفطرة البشرية تعتبر من الطوارئ.. والطوارئ المفسدة للفطرة.. قد تكون من رواسب القرون الماضية، أو من تقاليد البيئات الساقطة، أو من كليهما معاً، وهي شديدة الخطر فيما تجره على الفطرة البشرية من علل، وهنا يكون جهاد المصلحين الحقيقي، جهاد في إنقاذ الفطرة من غوائلها، حتى تعود إلى صفائها الأصيل وتؤدي وظيفتها الحقة، كفانا دعوات حارة من المنابر للجهاد ضد عدو مجهول، عليهم الدعوة لعودة الإنسان إلى فطرته المستقيمة قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} عليهم الدعوة للحق والاستمساك به، والسير بمقتضاه، إن الخلق الحسن والفطرة السليمة «ثمرة للإيمان الواضح والعمل الصالح.
لقد لاحظت في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» من اجتزاء فتوى لابن تيمية تجيز للابن قتل أبيه!؟ وقال إنها من أسباب هذه المصيبة.! وهي فتوى مجتزأة من إجازة ابن تيمية قتل الابن لأبيه إذا تقابل جيش المسلمين والكفار في قتال، وفي ساحة معركة بين راية الإسلام وراية الكفر، لماذا تركنا هذا التراث في أيدي المغفلين والرعاع يستقون منه ما يوافق تفكيرهم المريض؟
والله من وراء القصد.