كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقوراً حتى في المواقف التي يجنح فيها الفضلاء إلى الغضب والشدة. فالسكينة والوقار من أخلاق النبوة التي ما زال الفضلاء يسعون للاتصاف بها، إذ السكينة هي ما يجده القلب من الطمأنينة عند تنزل الغيب، فهي نور في القلب يسكن إلى شاهده ويطمئن، فتكون في القلب أولاً ثم تثمر بعد ذلك في الجوارح تواضعاً وهدوءً ووقاراً وهو التأني في التوجه نحو الطلب.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس سكينة ووقاراً، وإن الله تعالى ليثبته في الملمات وينزل عليه السكينة. وكان من وقاره أن من رآه هابه - كما قال علي رضي الله عنه-: من رآه بديهة هابه، ومن خالطه فعرفه أحبه، ولم أر قبله ولا بعده مثله. ولما أتاه رجل فكلمه جعل ترعد فرائصه فقال صلى الله عليه وسلم: هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد.
ومن المواقف العظيمة التي ظهرت فيها السكينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من حاله يوم الهجرة وقد بلغ المشركون فم الغار وهو مع صاحبه الصديق في الداخل في مشهد تتزلزل له القلوب وتضطرب لهوله النفوس ومع ذلك يقول في هدوء وسكينة: ما ظنك باثنين الله ثالثهما. وهذه السكينة التي كانت في قلب النبي عليه الصلاة والسلام فاضت على جوارحه عبادة لله عز وجل وذكراً له ومداومة على ذلك واستغراقاً للوقت في ذلك. وقد ربى أصحابه رضي الله عنهم على هذه الخصال، ولم يزل بهم يدربهم آمراً ناهياً لهم، مهذباً لطبائعهم فها هو في حجة الوداع يقول: أيها الناس السكينة السكينة صلوات ربي وسلامه عليه.
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود
adelalshddy@hotmail.com