ماجدة السويِّح
ما زالت صورة «أوتا بينغا» تجسد الوجه المظلم للبحث العلمي و العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يدر بخلد ذلك الرجل الذي اقتيد من قريته في الكونغو لينتقل من عالم الإنسان إلى عالم الحيوان عام 1904 أن يقدم للجمهور في المتحف كنوع متطور من الحيوانات، لينتقل بعدها إلى حديقة «برونكس» في نيويورك ليشارك الشمبانزي و الغوريلا العيش في قفص حديدي. لم يكن «بينغا» في نظر العلماء سوى نوع متطور من الحيوانات الذي يدعم بلا شك نظرية دارون في النشوء و الارتقاء.
يعود الفضل في إنهاء هذه المأساة العنصرية لصحيفة النيويورك تايمز التي سلطت الضوء على الفضيحة الإنسانية لتساهم في صنع رأي عام حرر «بينغا» ذو الأصول الإفريقية من عنصرية الرجل الأبيض. إلا أن الألم رافق «بينغا» بعد تحريره ليضع حدا لعذابه بإطلاق النار على نفسه عام 1916 .
مسيرات المحتجين الذين يجوبون المدن الأمريكية طلبا للعدالة بعد مقتل مواطنين من ذوي الأصول الأفريقية بيد الشرطة فجرت قضية التمييز العنصري ضد المواطنين الملونين من قبل الشرطة التي تبادر بقتلهم بدم بارد بمجرد الاشتباه، أعاد للواجهة ثورة «بينغا» في الإعلام الأمريكي من جديد. «بينغا» لم يكن حدثا يستحق المتابعة في نظر وسائل الإعلام آنذاك، بل كان حدثا عاديا لرجل أسود يعيش بين البيض، إلى أن بادرت النيويورك تايمز كصحيفة حرة تؤمن بالمساواة في إثارة القضية وتحرير «بينغا».
ومع أن قانون تجريم التمييز العرقي قبل 50 عاما قد ساهم في دعم الحركة الإصلاحية و التعايش بين مختلف الأعراق، إلا أن قضايا العنصرية الحديثة ما تزال تطل بوجهها القبيح لافتة الأنظار إلى تعامل السلطات اللإنساني مع المواطنين من أصول إفريقية في تأجيج قضايا العنصرية وتكريس الصورة النمطية السلبية للأمريكيين السود المرتبطة بالجريمة.
خلال هذه الأزمة تناست قنوات إخبارية كبرى القيم الخبرية و تجاهل الموضوعية عند التعامل مع الحدث، على سبيل المثال قناة «فوكس» الإخبارية مارست عنصريتها المعهودة من خلال مناقشة قضية الضحايا السود دون وجود مختص يمثل الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، فأغلب من يناقش كانوا من ذوي العرق الأبيض. العديد من القنوات الإخبارية ركزت على أعمال العنف التي مارسها بعض المحتجين، وتجاهلوا نقل الجانب الإيجابي و الحراك المجتمعي المنظم لإيجاد حل لعنصرية الشرطة ضد الأمريكيين السود. السؤال الملّح الآن هل سيشهد العالم ثورة إعلامية ملهمة من روح «بينغا» لاستعادة الحقوق؟!