فضل بن سعد البوعينين
لم تتوقف إيران؛ خلال الثلاثة عقود الماضية؛ عن ممارسة الإرهاب الدولي والتدخل في شؤون الدول الخليجية؛ والتآمر على أمنها واستقرارها؛ واستغلالها الطائفية لإثارة الفتنة وزعزعة الأمن في السعودية والبحرين والكويت على وجه الخصوص.
قد لا يدرك الغالبية أن نظام ملالي إيران أول من ابتدع تفجيرات المساجد؛ وأول من دنس الحرم المكي الشريف بعمليات إرهابية متنوعة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي؛ ومنها حادثة الحج العام 1987م التي راح ضحيتها أكثر من 402 حاج؛ وحوادث تفجير الحرم العام 1989م؛ وحادثة تهريب أكثر من 51 كيلوجرام سي4 العام 1406هـ؛ وأول من حاول العبث في مسجد رسول الله وحشد المسيرات والمظاهرات بقصد زعزعة الأمن فيه؛ بل إنني لا أستبعد أن تكون إيران خلف عملية استهدافه بتفجير رمضان؛ مثلما كانت المدبرة لتفجيرات الحرم المكي وتهريب المتفجرات في حقائب حجاجها؛ وحادثة تدافع منى في موسم الحج الماضي.
لم يقتصر إرهاب إيران على الحرمين الشريفين بل امتد للمنطقة الشرقية حين طال الإرهاب الصفوي مصانع البتروكيماويات في الجبيل التي تعرضت لعملية تفجير نوعية نفذها تنظيم «حزب الله الحجاز» وكادت أن تودي بحياة سكان المدينة لولا لطف الله، ثم تفجير الخبر؛ وعمليات التفجير وإستهداف رجال الأمن في القطيف. استهداف النظام الإيراني للدبلوماسيين السعوديين بات موثقا في المنظمات الدولية ومنها استهداف عادل الجبير؛ وزير الخارجية الحالي؛ حين كان سفيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، حرق السفارة السعودية في إيران من جرائم إيران المشهودة، احتضنت إيران قادة تنظيم القاعدة الذين خططوا لتفجيرات الرياض وبقيق من الأراضي الإيرانية؛ وزحفت نحو اليمن مستهدفة الأراضي السعودية.
وفي البحرين؛ كانت إيران خلف جميع العمليات الإرهابية التي استهدفت المواطنين ورجال الأمن والمرافق الحيوية؛ وزعزعة الأمن وإثارة الفتنة الطائفية؛ وما تبعها من محاولات يائسة لقلب نظام الحكم. تدخلت الخارجية الإيرانية لإدانة قرار الحكومة بسحب الجنسية من «عيسى قاسم» وبادر رئيس مجلس الشورى الإيراني، «علي لاريجاني» إلى القول إن «البحرين وضعت حداً لإنهاء نظامها بسحب جنسية قاسم»؛ مثلما تدخلت من قبل في الحكم على «نمر النمر» ومهاجمة السعودية على خلفية أحكام الشرع؛ وتسمية شوارعها بأسماء إرهابيي الداخل.
وفي الكويت وقف «حزب الله» الذراع العسكرية الإيرانية في المنطقة خلف تفجير موكب الشيخ جابر الأحمد رحمه الله؛ وتفجيرات المقاهي وإختطاف طائرة «الجابرية».
لم أرَ تدخلا سافرا في شؤون الدول كتدخل إيران في شؤون دول الخليج.
أحسب أن أسلوب الحكمة والأناة الذي انتهجته دول الخليج في تعاملها مع إيران ساعد على استمرار النظام في خطه العدائي المستفز.
بدأت السعودية مؤخرا في تغيير نهج المواجهة وبما يضمن لها وللمنطقة الأمن والاستقرار.
أطلقت محاولة الانقلاب الفاشلة في مملكة البحرين شرارة المواجهة الحاسمة مع الصفوييين والغرب؛ ثم تبعتها حرب تحرير اليمن؛ وتطهير دول أفريقيا من التواجد الإيراني وسيطرة الحرس الثوري؛ وإعادة تشكيل التحالفات الإسلامية والعربية على أسس متينة قادرة على مواجهة الخطر الصفوي في المنطقة؛ إضافة إلى تشكيل تحالف من الدول الإسلامية لمواجهة الإرهاب.
أجزم أن دعم مؤتمر المعارضة الإيرانية في باريس؛ وإلقاء الأمير تركي الفيصل؛ رئيس الاستخبارات السابق؛ كلمة مؤثرة أمام ما يقرب من مائة ألف معارض إيراني؛ جاء ضمن تحركات المواجهة.
يبدو أن مرحلة تسديد الفواتير المؤجلة قد بدأت؛ وأصبح لزاما على نظام إيران تجرع الكأس المسمومة التي استمر في تقديمها خلال العقود الثلاثة الماضية.
لم تكن السعودية البادئة؛ ولولا تمادي نظام الملالي لما أقدمت على خطوة المواجهة التي تندرج ضمن عمليات الدفاع لا الهجوم.
فارق كبير بين ما تمارسه إيران من إرهاب في المنطقة وما أقدمت عليه المملكة من حماية أمنها؛ ونصرة المستضعفين؛ وترسية الأمن في المنطقة. لست مع من يقول إن مشاركة الأمير تركي الفيصل في مؤتمر المعارضة الإيرانية أعطي إيران العذر للتدخل في شؤوننا؛ فإيران تتدخل في شؤون الخليج وليس السعودية فحسب منذ العام 1980م؛ وتمارس الإرهاب النوعي في السعودية والبحرين والكويت؛ وهي لم تنتظر ردة الفعل السعودية لتبني عليها أفعالها الإرهابية بل أقدمت عليها ابتداءً دون محفزات.
إشغال إيران في نفسها؛ ونقل المعركة إلى أراضيها خطوة جريئة أحدثت صدمة غير متوقعة لنظام الملالي ومؤيديه؛ فصمت دول الخليج عن إرهابها وتدخلاتها حفزها على الاستمرار تحت غطاء الحصانة الغربية!
دول الخليج معنية بتحقيق أمنها بمعزل عن الغرب المتآمر؛ والداعم الأكبر لجرائم إيران في سوريا والعراق ودول الخليج.
يفترض أن تكون المواجهة القادمة أكثر احترافية وقانونية؛ فالحصانة الغربية المتاحة لإيران لن تتوافر للمملكة؛ بل سيسعى الغرب للاستفادة من أي خطأ يتعارض مع القانون الدولي وتوظيفه لمصلحة أهدافهم الإستراتيجية القذرة. دعم المعارضة الإيرانية يجب أن يستمر وفق منظومة متكاملة تحقق الأهداف المنشودة.
ومن أهم أدوات الدعم توفير التمويل اللازم للمعارضة من أجل ممارسة أنشطتها؛ وتوفير الحشد الدبلوماسي؛ والحصول على الدعم الدولي من خلال المنظمات العالمية وفي مقدمها منظمات حقوق الإنسان، وتوثيق جرائم إيران دوليا؛ والإعلان الشفاف عن ممارساتها الإرهابية في المنطقة. إنشاء قنوات فضائية وإذاعية معارضة ناطقة بالفارسية من أهم أدوات المواجهة؛ إضافة إلى احتضان الأحزاب المعارضة وتوحيد قيادتها؛ ودعم زعماء المعارضة دولياً؛ وتوفير التغطيات الإعلامية المؤثرة لهم؛ وتوفير احتياجاتهم الضرورية والسماح لهم بحضور المؤتمرات الإسلامية والعربية والخليجية.
تنوع النسيج الإيراني؛ وتنوع المعارضة؛ يستوجب توفير الدعم الشامل للقبائل العربية بأطيافها المختلفة في الأحواز والعشائر الأخرى بما يضمن تقويتهم واكتفاءهم ماليا عن الحكومة المركزية التي لن تتردد في وقف مخصصات مناطقهم المالية ومشروعاتهم التنموية المتردية أصلا. قد يكون من المناسب إنشاء مرجعية لتلك العشائر وقادتهم وقادة المعارضة داخل المملكة؛ بما يمكنهم من تحقيق استدامة أنشطتهم في معارضة النظام وتقويضة.
قال الشيخ تركي بن حميد: (ومن لا يقلط شذرة السيف والكيس +++ يصبح عليه من الليالي ثلومي)؛ أجزم بأن المملكة بدأت مرحلة الحسم والمواجهة بتقديم شذرة السيف؛ وهي مرحلة لن تكون قصيرة؛ وستواجه بتحديات مختلفة؛ وردود أفعال مؤلمة؛ وإذا ما أتقنا التعامل معها في الجوانب الميدانية؛ الدبلوماسية؛ القانونية؛ الإعلامية؛ والمالية فستكون النتائج إيجابية للمنطقة وللشعب الإيراني.
النصرة السعودية قادرة -بإذن الله- على ردع الإرهاب الإيراني وتفكيك خلاياه الداخلية وقياداته الخارجية وبيئته الحاضنة ونظامه الصفوي.