د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** للحياة لونٌ لا تراه العواصمُ المثقلةُ بأعباء البحثِ عن «الهُويةِ والاسترخاء»، وهما - لمن قرأَ النفوس - العاملان القادران على إنقاذ الذات المأزومة من تداعيات الركض وسط الزحام الذي لا يقطع مسافةً ولا يريح بدنًا ولا يسلم من إيذاءٍ يصنعه الشخص لغيره مثلما يبتليه به سواه.
** خارج العواصم لا تعني لك الساعة شيئًا ذا بال إلا في أُطرِ العمل الرسمية والشعائر التعبدية ، وحتى في هذه يبدو الوقتُ المنفق من أجلها منظمًا أكثر وذا نتاجٍ أفضل، ولا شك أن من لهم نوافذ نحو المدن الصغيرة سيشعرون بفارق الهُوية الأنوية والاسترخاء اللذيذ ؛ فالعواصم تشغلنا عن معرفة ذواتنا والاطمئنان إلى تصالح دواخلنا مع خوارجنا ووجود فائض زمن يجعلنا نستمتع بالجلسة والتمشية والحواروالقراءة والتأمل.
** في عنيزة ومع والديه - حفظهما الله - أمضى صاحبكم أسبوعًا خلال إجازة عيد الفطر، ولعل ما قام به كفيل بتوضيح نظرية «الفراغ المفيد» ؛ فقد التقى بشباب «مشروع الإذاعة الرقمية» بقيادة الصديق إبراهيم العثيمين في جلسةٍ طُلب منه فيها الحديث عن العمل الإذاعي بين التدريب والاحتراف وبين التوقعات والمخرجات»،كما دعاه» مجلس عنيزة الإعلامي» بمبادرة من الصديق عبدالعزيز الخشيبان إلى حديث عن واقع الإعلام الورقي وقادم الإعلام الرقمي، وارتاد مجلس الأستاذ حماد الشبل المفتوح وجلسة الأستاذ صلاح البسام الزاهية بالشعر والتأريخ، واجتمع بصديقه المثقف الدكتور معتصم الهقاص في مقهى، وبأصدقائه الأساتذة والدكاترة: حمد العبيد الله وأحمد البسام وصالح السبيّل ومحمد السويّل وعبدالله الحصين فوق رمال «المليحة»، كما زار جلسة «مطلة» التي غاب صاحبها أستاذنا عبدالرحمن البطحي منذ عشرة أعوام، والتقى - في اجتماع عمل - مع محافظ عنيزة الأستاذ عبدالرحمن الإبراهيم السليم مشاركًا الأصدقاء : الأستاذ عبدالله اليحيى الخالد السليم والمهندس محمد الخليل والمحامي محمد الزامل ، عدا سعادته بأشقائه وأقاربه ومعارفه وأداء واجبات المعايدة والعِيادة والتجول في بعض قديم مدينته وجديدها.
** جانب من أسبوع خصب لو شاء مثلَه في الرياض لاحتاج إلى شهر مقرونٍ بالتعب وربما الملل، وهو ما يجعلنا نغبط من حسموا أمرهم منذ وقت مبكر وقرروا الإقامة في مدنهم وقراهم ؛ فربما فاتتهم بعض الوظائف والامتيازات لكنهم كسبوا أنفسهم وعززوا تواصلاتهم ونعموا بمتكآتٍ مزدانةٍ بالطمأنينة.
** عنيزة هي «الباحة وحائل والجوف والقطيف وجازان ونجران وعرعر وأبها والطائف وتبوك وشقراء وينبع» ومماثلاتها ؛ فلعلنا نلتفت إلى مدننا الصغيرة فنسندها بالحضور والتفاعل وإيجاد دوائر خاصة وعامة فيها تستوعبنا كي نعطيَها ما قد تحتاج إليه وتمنحَنا ما لا نعيش هانئين دونه ونخفف الأعباء عن مدنٍ غاليةٍ قدرُها أن تحتويَ ضجيجنا وترسمَ أحلامنا وتُعايش نزقنا وفوضويتنا وجحودنا ومخاوفنا.
** الهدوءُ استعادةٌ للذات.