د. جاسر الحربش
كتبت هذه السطور استجابة لتساؤلات مستفزة من كاتبة سعودية سوف أتعرض لبعضها فيما بعد.
هل كانت حكومتا جورج بوش وتوني بلير إرهابيتان؟. إن كان الجواب لا، فلم لا؟. إن كان الجواب نعم، فعلى أي درجة من مقياس إرهاب داعش والقاعدة؟.
أظهرت تحقيقات شيلكوت في بريطانيا بعض ما كان معروفا لحلفاء أمريكا وبريطانيا وكافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. كانت هناك مؤامرة أمريكية بريطانية لتدمير العراق ومسحه من الخارطة كدولة. المؤامرة (نعم المؤامرة) استخدمت التلفيق والأكاذيب وا لرشاوى والضغوط للتصويت بنعم على ارتكاب الجريمة وحصل ما حصل. كانت ضربة إرهابية هائلة بالصواريخ الموجهة والقنابل الذكية الحارقة للمساحات. سموها ضربة وقائية استباقية، ولم يجرؤ أحد حتى اليوم على تسميتها إرهاب دولة متجبرة على دولة محاصرة ومنهكة.
إذا فالامور هكذا، عندما يقوم زعيم أقوى دولة بتدمير دولة أخرى بكاملها وقتل مئات الألوف وتشريد الملايين لا يسمي العالم ذلك إرهاباً، وعندما يقوم شخص معتوه ملعوب بدماغه بالمخدرات والإيحاءات الجنسية بتفجير نفسه، فيقتل العشرات أو المئات، يسمي كل العالم ذلك إرهابا. نعم هو إرهاب بالفعل، ولكن مع فارق القياس والنتائج. بمقاييس إزهاق الأرواح وفداحة التدمير واستحقاق التسميات، يجب على الأقل استخدام التوصيفات الصحيحة. ما يسميه العالم ضربة وقائية استباقية كان إرهاباً من النوع الأكبر، إرهاب الدولة الطاغية، وهو الذي أنتج إرهابا من النوع الأصغر لينغص علينا العيش وينشر الخوف في المساجد والمؤسسات ومراكز التسوق والبيوت.
هكذا وبحسابات المنطق نحصل على إرهاب أكبر قتل مئات الألوف وشرد الملايين، نتج عنه إرهاب أصغر نشر المزيد من الرعب في مجتمعات كانت خائفة وضعيفة من قبل. المصيبة أن ضحايا النوعين من الإرهاب هم من نفس النوع والفصيلة المتشاركين في كل الخصوصيات بما في ذلك المستقبل الكالح.
الإرهاب الأكبر كان الفعل الأول، الخبيث والمدروس والهادف. الإرهاب الأصغر كان إرهاب رد الفعل، أما المفعول بهم ففي الحالتين نفس النوع من البشر.
الضربة الامريكية البريطانية كانت الزلزال المدمر، وما تبعه من إرهاب محلي كانت التموجات التي انتشرت فيما تبقى من الركام.
أعود للبداية: استفزني مقال لكاتبة سعودية وصلني بالواتس أب ، مليء بالتساؤلات الدالة على الشلل الفكري بسبب الإحباط لدرجة تحقير النفس والأهل والوطن. تساءلت الكاتبة لماذا لا يرسل الغرب إلينا شبانا باسم الصليب ملغمين بمتفجرات، ليفجروا أنفسهم بيننا ويقتلوننا في شوارعنا ومساجدنا ومراكزنا التجارية. لماذا لا يجمع الرهبان والكهنة في الغرب أتباعهم ويدقون الأجراس والنواقيس للدعاء على المسلمين بالهلاك مثلما نفعل.
واضح أن الكاتبة محبطة لدرجة منعتها من مواصلة التفكير لتصل بنفسها إلى الأجوبة الصحيحة. أسوأ أنواع الإحباط هو ما يتم تنفيسه على الذات والأهل والمجتمع الخاص، كمحاولة للتشبه بالمجرم. الجواب على تساؤلات الكاتبة بسيط يتلخص في أن المواطن الغربي ليس بحاجة إلى ممارسة الإرهاب بنفسه، لأن دوله وحكوماته كفته المهمة بممارسة الإرهاب ضد الآخرين منذ خمسمئة عام، وبشكل مستمر وتصاعدي. الجيوش والبوارج والطائرات والصواريخ والقنابل الذكية تقوم بمهمات الإرهاب الغربي في العالم الثالث على مدار الساعة وبكفاءة عالية، ليس ضد العرب والمسلمين فقط، بل وفي كل القارات والجزر والمحيطات. حقيقة هكذا يكون الإرهاب المتكامل، وبؤسا لإرهابنا الحقير الذي يفرغ إحباطاته في مكوناته الاجتماعية.
أما الكاتبة المتسائلة فليست سوى نموذج مصغر لدونية وخواء الإنسان حين تذبل في داخله الهوية ويفقد الثقة، فيحاول التعويض بالصراخ والسب على المجتمع الذي احتضن طفولته وصباه وقدم له كل ما يستطيع.
الفرق بين الإرهابي التفجيري ونموذج الكاتبة هو أن النوع الأول يمارس القتل الجسدي والثاني قتل الروح، وكل واحد منهما يغذي الآخر ويقدم له المبررات.