د. محمد عبدالله العوين
نشأ تنظيم « داعش» على فكر ومنهج القاعدة على يد أبي مصعب الزرقاوي عام 2004م بعد أن عاد من أفغانستان تحت مسمى «التوحيد والجهاد» مستلهما الرؤية والخطى والأهداف من تشربه بالتجربة «الجهادية» في أفغانستان بعد أن التحق بالمقاتلين على الجبهات والمعسكرات الأفغانية عام 1989م والتقى هناك بأسامة بن لادن وغيره من كبار قادة القاعدة والتكفيريين العرب ممن جمعتهم ساحة «الجهاد» حين كان لا حرج عليه في قتال الروس، ثم جمعتهم ساحة المنفى الأفغاني بعد أن انتهت مهمتهم القتالية الدينية وأرادوا مواصلة واستمرار الأفكار التي أوقدت حماسة الاندفاع في الحرب على الروس وتنزل «الكرامات» عليهم حسب زعم كثيرين منهم ، لقد جمعت ساحات القتال أو «الجهاد» وفق العنوان الذي اندفعوا تحت مسماه آلافا مختلطة متباينة من المندفعين من معظم البلدان العربية والإسلامية ، فيهم من هدفه إخراج الروس فحسب والعودة إلى بلده ، وفيهم من خرج إلى القتال «حج وقضيان حاجة» جهاداً وهروبا من حكم بلده الذي يعتقد وفق رؤيته المتطرفة أنه غير إسلامي؛ وعلى الأخص منهم المصريين والتوانسة والجزائريين ممن ينتمون إلى الجماعات التكفيرية.
وشكل التكفيريون العرب ومن لف لفهم موجة تسميم للقادمين إلى أفغانستان بغرض «الجهاد» فقط، ورويدا رويدا بكثير من المحاضرات والتلقين والحشو والوعود والتأثير بمغريات وحجج متعددة انصاع وانخدع بفكرهم الخوارجي كثيرون، ثم عاد آلاف منهم إلى بلدانهم ناقمين ثائرين خارجين على أنظمتهم السياسية وعلى مجتمعاتهم وأدخلوها في موجة دموية مؤسفة من التوتر والخراب وتعطيل الحياة، كالسعودية والأردن ومصر والجزائر وتونس.
كان أحمد فاضل نزال الخلايلة الملقب بأبي مصعب الزرقاوي الذي ولد في مدينة الزرقاء بالأردن 1966م أحد أولئك الذين انضووا تحت لواء قيادة ابن لادن - كما أشرت آنفا - وتشرب الفكر التكفيري الخوارجي على أصوله من كبار المبشرين به وتلقى دورات قتالية في معسكرات التدريب؛ ولكنه تزود من معين خوارجي آخر أشد تطرفا في السجن بعد أن عاد إلى الأردن حيث قضى ست سنوات مع عدد ليس قليلا ممن عادوا من أفغانستان على نحو ما عاد عليه ومن متطرفين آخرين أشد عتوا وإمعانا في رفضهم وخروجهم على مجتمعاتهم، ومنهم عاصم طاهر البرقاوي الفلسطيني الملقب بأبي محمد المقدسي والملقب بشيخ السلفية الجهادية، وعلى يديه تم تشكل رؤية التنظيم الإرهابي الدموي المرعب في ذهن الزرقاوي وبدأ التنفيذ بعد أن أطلق سراحه 2004م.
وحين فكك الحاكم الأميركي في العراق «بول بريمر» الجيش العراقي وسرح نصف مليون عسكري إلى الشارع بدون وظائف ممن كان لهم صولات وجولات ونفوذ وخبرات قتالية دخل العراق إلى مستنقع آخر جديد ؛ ثورة بعثية على أمريكا وإيران بتشكلات دينية وهمية!
ولم يكن قرار بريمر عابثا ولا استجابة عاطفية أو عقلية لرغبات الشيعة المرعوبين من جيش العراق القديم ولا من تهديد الأكراد بالانفصال ؛ لا بل كان وفق رؤية استراتيجية أمريكية لما تريده من تغير وتحول في شكل ومستقبل المنطقة مما أكدته الأحداث لاحقا.
غزو أمريكا للعراق ثم حل الجيش العراقي واستبداله بجيش طائفي غير مدرب وليس له تاريخ سببان كافيان لاشتعال العراق بحرب أيا كان عنوانها المعلن دينيا أو بعثيا أو طائفيا سنيا أو قبليا!
ليست سياسة أمريكية جاهلة أو تتخبط في الظلام؛ بل سياسية مدروسة لتحقيق أهداف مرسومة.
لقد اندفع الناقمون على إيران التي سلمها الأمريكان حكم العراق من القبائل العربية السنية ومثلهم الضباط والعسكر البعثيون الذين فقدوا وظائفهم وابتدأت التحالفات العشائرية والاندماجات رغم التناقضات أحيانا لمواجهة الواقع المرير الذي خلفه الغزو الأمريكي وحل الجيش القديم ، فالتقى التكفيري من داخل العراق ومن خارجه كالزرقاوي بالعشائري القبلي بالبعثي المأدلج وانطلقت «المقاومة» العراقية بلافتات متعددة ؛ لكن أشهرها اللافتة الإسلامية المتطرفة التي تجلت في أعمال التفجير والاغتيال على يد «أبي مصعب الزرقاوي» من خلال تنظيمه «التوحيد والجهاد» .. يتبع