د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
من خصائص الأعياد مشاركة الجموع الشعبية فى احتفالاتها ممّا ينشر ويقوّى مشاعر البهجة ويلبّى حاجة المجتمع للترابط والتجديد. ولكن عندما ننظر للمشاركة الشعبية فى عيد الفطر نرى أنها ليست تقليداً راسخاً يقاوم الزمن . فقد عاصرنا فى شبابنا- نحن الكبار - مظاهر اجتماعية تضفى على العيد فعلاً طابع الفرح والبهجة. فى المقام الأول فرحة الأطفال بالثياب الجديده والزيارات الخاطفة للبيوت للسلام وتعبئة الجيوب بالهدايا الحلوه، ثمّ تزيين الشباب لمقرّ العيد فى أحد شوارع الحارة بنقوش رملية بسيطه وفرش المكان، وبعد صلاة العيد إخراج طعام من كل بيت إلى المكان المفروش، فيلتقى الجيران ويتبادلون تحية العيد ويشترك الكلّ في تناول الطعام من صحن لصحن. مظاهر بسيطة ولكنها كافية لبثّ الشعور بالعيد وإظهار الفرحة به لأن المجتمع كان بسيطاً ووسائل العيش تخلو من الترف. وكان العيد يأتى بعد مشقة الصوم التى لم يكن يخفّف منها تكييف، ولا يُلهى عنها - عندالشباب خاصة - نوم بالنهار وسهر بالليل، ولا برامج تلفزيون وانترنت تطوى الوقت طيّاً. كل ذلك ذهب - لا سيّما فى المدن الكبرى - مع الريح، ريح الرفاهية والنهم الاستهلاكي، وما أفرزه ذلك من تباعد الأجيال وتباعد البيوت وضعف علاقات الجوار. بقي من مظاهر العيد الشعبيه - فى مدينة كبيرة كالرياض مثلاً - لبس الجديد والقيام بعد صلاة العيد بالسلام على كبار الأقارب وقادة المجتمع، وإفطار معايدة فى إطار عائلي، وتقديم هدايا نقدية أو عينية لصغار وشباب العائلة، وربما يتم اجتماع معايدة موسّع يجمع عامّة الأقارب فى إحدى الأمسيات. وكذلك تقيم أمانة الرياض احتفالات منظمة ومبرمجة يرتادها من يرغب المشاهدة. والأمانة إذ تفعل ذلك مشكورة، لأنه لون من الترفيه يحتاجه الناس فى أيام العيد، لكنها مع ما يُبذل من جهد كبير مخلص فى تنظيمها واختيار فقراتها تظلّ مُتَكلَّفة، وكثير منها ليس نابعاً من تراث شعبي. وعموماً يغلب على احتفالات العيد بالمدن غياب المشاركة الشعبية الطبيعية الفاعله وحضور المشاركة المتفرجة، كما يفضّل بعض أفراد المجتمع - لطول إجازة العيد - التمتع بها فى الخارج. وصحيح أن المظاهر القديمه متواضعة وبعضها غير ملائم لأيامنا هذه، ولكن الكثير من أفراد المجتمع شعروا بأنه لا بدّ من إحيائها أو تطوير بديل لها، لأنهم افتقدوا الجوالحيوي المبتهج بالعيد والروح الجماعية التى تربط الجيران فى الحيّ الواحد. وذا الشعور أخذ يتحول إلى مبادرات بشكل محدود فى أول الأمر بمدينة الرياض :-
1 - أخذ جماعة المسجد فى بعض الأحياء منذ سنين ينظمون مبادرة المعايدة والمشاركة بموائد الطعام فى مكان مفروش مجاور للمسجد.
2 - أما أهالي حيّ الياسمين فخطوا خطوة أبعد من ذلك متطوعين بتنظيم فعاليات للاحتفال قبل العيد وفي يوم العيد (سمّوها حوّامة حيّ الياسمين) ويشارك فيها الأطفال وعوائل الحي حيث يمرّ الأطفال فى حللهم القشيبه على بيوت الجيران ليحيوهم ويأخذوا هداياهم الصغيرة، ويتوافد الأهالي على مكان فسيح تعرض فيه أنواع مأكولات وحلويات ولُعَب الأطفال، وبعض العروض المسلّيه وعقود إنارة تضيء المكان. تجربة عمرها أربعة أعوام. وبدأت بعض الأحياء تنسج على منوالها. وأهم ما فى الأمر أن ما قُدّم في الاحتفال كان أكثره من عمل سيدات الحي.
3 - أفاضت صحفنا فى إبراز تقارير مصورة عن نماذج أخرى للاحتفال بالعيد مثل ارتياد العائلات للحدائق والشواطئ بمناطق المملكة المختلفة.
كما أبرزت احتفالات الأحياء بمدن أخرى - وخاصة مشاركة الأطفال والأهالي فى فعالياتها المرحة، وقيام لجان التنمية الاجتماعية بتنظيمها.
= ما أقصده من كل ذلك هو أن عودة الاحتفال بعيد الفطر فى كل مناطق بلادنا ومدنها إلى طابعه الشعبي الطبيعي ممكنة ومرغوبة مع تطويره فى إطار أخلاقيات المجتمع وثقافته. لقد قدّمت عرضاً مقتضباً عن نماذج للاحتفال بالعيد يمكن التوسّع فيها وتشجيعها، لا سيّما:-
--- إعطاء لجان التنمية الاجتماعية فى كل حي الإمكانيات والتعليمات اللازمة لمساعدة الأهالي في إعداد وتنظيم وتقديم فعاليات الاحتفال فى حيّهم. لأن هذه اللجان على اتصال مباشر بالأهالي والمدارس وغير ذلك ممّا له علاقة بالاحتفال. وهي تنظم أنشطة تطوعية طول العام، فهي محل احترام جماعة الحيّ. وما أدّته من نشاطات الاحتفال بالعيد - كما نشرت الصحف - شاهد على دورها وتقبّل المجتمع المحليّ لها.
--- إلى جانب الأحياء السكنية (كما فى حوّامة حيّ الياسمين) فإن من الواضح أن خروج العوائل (نساءً ورجالاً وأطفالهم) للساحات العامة المهيّأة للاحتفالات، وللمنتزهات كالشواطئ والحدائق الكبيرة يمثّل فسحة تُبرِز شعور الابتهاج الشعبي.
غير أن المتعة واللذة تكون أكبر، عندما توجد فى تلك الأماكن أكشاك لعرض منتجات الموسم ( مثل الرطب وأنواع الفواكه المحلية)، أو منتجات غذائيه تصنعها الأسر المنتجة وتلائم المناسبة، أو حلوى وألعاب وأشكال جمالية جذابة، بحيث تتحوّل الساحة أو المنتزه إلى (سوق عيد) يجمع بين النزهة والمتعة والتذوق.
--- إننا فى حاجة إلى أن تكون فرحة العيد تقليداً اجتماعياً يتميز الاحتفال بها بفعاليات متنوعة يشارك فى إنتاجها المجتمع المحلي ويمارسها الأهالي لتعكس مشاعر البهجة الطبيعية غير المُتَكلّفه، وأن يكون هذا التقليد جزءاً راسخاً فى ثقافتنا قد نطوّره ولكننا تتمسّك به. وما أجمل أن يترنّم الأطفال بأهزوجة خاصة بمناسبة العيد، وما أجمل أن توضع قصيدة خاصة بعرضة العيد ويؤدّيها شباب الحي، فمثل هذه الألوان الفنية الشعبيه تخلّد ثقافة الاحتفال بالعيد وتجمّله.