عاش النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل، واختار طريق الزهد والتقلل من الدنيا على الغنى والتمتع بلذاتها، رغبة فيما عند الله من النعيم المقيم والدرجات العالية. والزهد: الإعراض عن متاع الدنيا ولذاتها، وترك راحتها طلباً لراحة الآخرة.
وقد نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يمد عينيه إلى متاع الحياة الدنيا الذي متع به بعض خلقه لأن من أعطاه ربه جل وعلا النصيب الأكبر والحظ الأوفر لا ينبغي له أن ينظر إلى النصيب الأحقر الأدنى.
وقد بلغ من زهد النبي صلى الله عليه وسلم أن استوى عنده إقبال الدنيا وإدبارها، فإذا أقبلت فهو الجواد الذي تفيض راحته بالخير، وإذا أدبرت فهو الصابر على شظف العيش وشدة الحياة، وهو القائل: (لو كان لي مثل أحد ذهباً ما يسرني أن لا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين). فهذا هو حقيقة الزهد أن يستوي عند الإنسان إقبال الدنيا وإدبارها، فإذا ما أقبلت كانت في يده لا في قلبه ولذا ينفق منها في سبيل الله ولا يخشى فقراً.
وإذا نظرنا إلى معيشة النبي صلى الله عليه وسلم علمنا ما كان عليه من قلة وحاجة في غالب أحواله، مع أنه كان يعطي عطاء يعجز عنه الملوك بينما يحيا هو وأهل بيته حياة المساكين، بل كان يعيش على التمر والماء هو وعياله أياماً متتابعات.
وأما فراش النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان من أدم حشوه ليف بل كان ينام على الحصير حتى إنه ليؤثر في جنبه. وأما بيوته فكانت على البساطة بعضها من جريد مطيّن بالطين، وسقفها جريد ينال المراهق سقفها بيده. كل هذا وهو سيد ولد آدم، ولو أراد لكان ملكاً رسولاً صلى الله عليه وسلم.
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود
adelalshddy@hotmail.com