فضل بن سعد البوعينين
بالرغم من أهمية المعلومات التي قدمها الداعشي القادم من سوريا علي عمر الملقب بــ «أبو تراب» لأجهزة الأمن الكويتية؛ والتي أكد فيها أن تنظيم «داعش» على علاقة جيدة بالنظام السوري والاستخبارات الإيرانية، وأنه حضر شخصياً اجتماعات تنسيقية مع جهات تمثل نظام الأسد ومخابرات طهران؛ فهي تبقى ضمن المعلومات المتداولة وإن جاهد صانعوا التنظيم لنفيها. فتنظيم داعش ما هو إلا تنظيم إستخباراتي اتخذ من الدين مطية لتحقيق أهدافه الاستراتيجية التي رسمتها الاستخبارات الغربية بعناية، وأوكلت أمر تنفيذها إلى دول مارقة يفترض أن تكون على رأس قائمة الإرهاب الدولي. أهمية شهادة «أبوتراب» أنها أتت بمعلومات داخلية موثقة عن دور إيران وسوريا وأجهزة استخبارات غربية في التنظيم.
من يتأمل حجم التمويل؛ والدعم الاستخباراتي واللوجستي الذي يحصل عليه تنظيم داعش منذ ظهوره المفاجئ وحتى اليوم؛ يؤمن بتبعيته لتنظيمات خارجية ودول وضعت نصب عينيها أهدافا إستراتيجية محددة تسعى إلى تحقيقها من خلال الإرهاب.
ضابط الإستخبارات البريطاني المتقاعد؛ تشارلز شويبردج؛ صرح لقناة «روسيا اليوم»؛ بأن بريطانيا وأميركا ساعدتا في تمويل الجماعات الإسلامية المسلحة لقلب أنظمة عربية وفق أجندتهما السياسية الخارجية؛ وقال إن «وكالة المخابرات الأميركية “سي.آي.آيه” والاستخبارات البريطانية دفعتا دولا إلى تمـويل وتسليح تنظيمات مسلحة في مقدمتها تنظيم «الدولة الإسلامية». شويبردج اتهم الاستخبارات الأميريكية والبريطانية صراحة بـ «صناعة الإرهاب في المنطقة».
المرشح الرئاسي الجمهوري «دونالد ترامب» اتهم علانية المرشحة الديمقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون والرئيسي الأمريكي بارك أوباما «بأنهما من صنعا داعش»؛ وتساءل «كيف لدولة ذات سيادة مثل الولايات المتحدة ألا تستطيع القضاء على هذا التنظيم والسيطرة على آبار النفط وتجفيف مصادره منذ 3 سنوات». قد يعتقد البعض أن تصريحات ترامب (الطائشة) لا يمكن الاعتداد بها؛ غير أن تصريحات المتنافسين لا يمكن أن تُطلق ما لم توثق من مصادرها بما يضمن تحييد انعكاساتها السلبية على حملة المرشح من جهة؛ وتبعاتها القانونية من جهة أخرى.
لم يعد خافيا أن التنظيمات الإرهابية التي ترعاها إيران؛ وفي مقدمتها «داعش» و»حزب الله» تحصل على حصانة غربية لأهداف إستراتيجية؛ طالما ضبطت أنشطتها في محيط الدول العربية المستهدفة؛ بل إن الولايات المتحدة الأمريكية؛ التي قاتلت من أجل إصدار تشريعات مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال باتت تغض طرفها عن جرائم إيران؛ وتنظيماتها الإرهابية في المنطقة؛ وعمليات تمويل الإرهاب القذرة التي ما زالت تمر من خلال شبكات التقاص الدولية؛ أو النقل المباشر؛ أو من خلال دول ومصارف عالمية وسيطة.
«واشنطن فري بيكون» أشارات في خبر نقله عنها موقع «العربية نت» أن إدارة أوباما «تحاول أن تمنح غطاء قانونياً للشركات والمؤسسات الراغبة بالتعامل مع إيران للحيلولة دون تعرضها للضرر نتيجة العقوبات المالية والمصرفية المفروضة على إيران».
نجحت الاستخبارات الأمريكية في تفكيك شبكات غسل أموال أوربية محترفة؛ ومقاضاة بنوك عالمية عريقة ؛ وتمكنت من إغلاق مصارف على خلفية تعاملات مالية مشبوهة، ما يعني قدرتها الفائقة على كشف أدق تفاصيل العمليات المالية القذرة. توارت الكفاءة الأمريكية المتخصصة أمام عبث إيران في المنطقة؛ واستغلالها الشبكات العالمية والمصارف في تمويل الإرهاب وغسل الأموال؛ بتوجيهات استخباراتية عليا.
جميع عمليات التفجير في السعودية وآخرها التفجير بالقرب من الحرم النبوي؛ والقطيف وجدة لا تخلو من الشبهة الإيرانية المتأصلة في التمويل والتجهيز وتوفير المواد المتفجرة. الأمر عينه ينطبق على عمليات الإرهاب في مملكة البحرين والكويت. تتحرك إيران بحرية تحت غطاء الحصانة الغربية؛ وتعيث في المنطقة فسادا فتنفذ عملياتها الإجرامية وتمول تظيماتها الإرهابية دون أن تخشى العقاب. لو لم تحصل إيران على الحصانة الغربية لما استطاع نظام الملالي الصمود لأيام معدودات.
عودا على بدء؛ فمعلومات «أبوتراب» لن تسهم في تصحيح نظرة الغرب لتنظيم «داعش» ومسؤولية إيران وسوريا عنه؛ ومن خلفهما منظومة الاستخبارات الغربية التي تقودها باحترافية مطلقة الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن هنا يفترض أن يكون للسعودية دور أكبر في استثمار المعلومات المعلنة والتصريحات الرسمية الصادرة من ساسة غربيين وأعضاء في أجهزة الاستخبارات العالمية؛ في سعيها الدائم لدفع تهمة الإرهاب التي يسعى الغرب إلى إلصاقها زورا وبهتانا بها. من خلال تلك التدفقات المعلوماتية يمكن زعزعة الحصانة الغربية وحمل الساسة على إعادة النظر فيها.
للإعلام المحترف دور مهم في هذا الجانب. الأفلام الوثائقية؛ تعليقات الخبراء على القنوات الفضائية؛ المشاركات الدولية؛ مواقع التواصل الاجتماعي وإدار تها المؤسسية؛ حملات العلاقات العامة؛ وتفعيل قنوات التواصل مع القيادات الغربية على كافة المستويات، وبخاصة البرلمانات يمكن أن تسهم بشكل فاعل في تصحيح الصورة المغلوطة عن السعودية؛ وتفضح في الوقت نفسه من يروج الأكاذيب لتوجيه الرأي العام.
وكالة الوزارة للإعلام الخارجي يجب أن يكون لها دور أكبر في استثمار الحقائق الصادرة من الغرب المفندة لادعاءات الساسة وعملاء الاستخبارات والمحطات الموجهة. سفارات المملكة وملحقاتها الإعلامية يجب أن تشكل خط دفاع أولي عن المملكة؛ وأن تكون المبادرة في مواجهة الحملات الإعلامية وتفنيد الأكاذيب وفق منظومة إعلامية متكاملة. الملحقيات التجارية مطالبة بأن يكون لها دور أكبر في تشكيل لوبيات ضغط من رجال المال والأعمال المستفيدين من الصفقات الكبرى التى تعقدها المملكة.
وزارة الإعلام معنية بإنشاء مركز بيانات متخصص تُضَمَّن فيه كافة المعلومات والتصريحات والحقائق والأفلام الوثائقية التي تساعد الإعلاميين في مساعيهم الدفاعية عن المملكة في جميع التخصصات؛ وتوفر لهم المعلومات الدقيقة في وقتها ودون تعقيد.
تشكل المعلومات المتدفقة من المتنافسين على الرئاسة الأمريكية كنزا لمن يحسن استثمارها لخدمة أهدافة الاستراتيجية. الأمر عينه ينطبق على المعلومات الاستخباراتية التي تصدر عن الدول المتصارعة في أوقات الأزمات. من يحسن إدارة تلك المعلومات يمكن أن يحقق نصراً دون أن يقحم جيشه في معركة خاسرة.