د. حسن بن فهد الهويمل
منذ أن فتح [نابليون] شهية الطامعين بِغَزْو الأمة العربية، والقوميةُ العربية شعار المقاومين.
وماكانت القومية إذ ذاك في معزل عن الإسلام، فهما كـ[الجسد، والروح]، لاقيام لأحدهما بدون الآخر.
غير أن الأمة العربية لم تكن بمستوى المرحلة مكيدة، وقوة، وتلاحماً. ومن ثم تعاقبت عليها المؤامرات، وتنوعت الانتكاسات، واستفحلت القابلية للخنوع، والاستسلام.
وعبر تاريخها الحديث مرَّت بمواقف عصيبة، واجتاحتها لعبٌ انسابت في مفاصلها كالخدر، ومؤامرات دبت في أناملها كالسِّنة.
وكان من نتائجها التشرذم، والتغريب، والتقسيم، والتجهيل، والتجويع، والتطويع. ولكنها أعيت أعداءها إذ لم تزل تنهض بعد كل كبوة.
وفداحة اللعب تتمثل في: تنفيذ اتفاقية [سايكس بيكو]، وقيام [دولة إسرائيل] وانهيار [الخلافة الإسلامية]، وتلاحق [الانقلابات العسكرية].
إلا أنَّ ماتتعرض له في راهنها يفوق بفداحته ماسلف من ضربات في الوجوه والأدبار.
ذلك أن اتفاقية [سايكس بيكو] الأولى تقوم على التقسيم الإقليمي. وهو قد تم، وأصبح واقعاً معاشاً، ومُتَعَايَشاً معه، ومَصِيراً لا مناص منه، ولا قدرة على التحول عنه.
أما مايسمى باتفاقية[سايكس بيكو] الثانية، فهي الأخطر، لأنها تقوم على التقسيم الطائفي، والتفريق العرقي، وتمكين الأقلية من حكم الأغلبية، وإطلاق اليد المجوسية، لإنجاز خارطة الشرق الأوسط الجديدة. وإيجاد معادل [قومي، طائفي]، يُلجئ المقاوم [العربي السني] إلى البحث عن حليف يمتص خيراته، ويذيق حليفه عذاب الهون.
ودعم الأقليات مؤذن بتفجير الفتن الطائفية، والعرقية، واستدامتها، بحيث تظل تأكل بعضها، دون أن تمس اللاعب الرئيس بأذى. ولسان حاله يردد:- {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ}.
لقد شُغِلت أمتنا في أعقاب الحرب [الأفغانية]، وأثناء [الربيع العربي] بمصطلحات: [الإرهاب] و[القاعدة] و[داعش]، وحُرِّفَتَ مفاهيم [الجهاد] و[التكفير] وما لا حصر له من تفجيرات متعمدة لفتاوى غرائبية، لايقبلها عقلٌ، ولا يقرها شرع.
لقد تجرعت أمتنا مرارات تلك المصطلحات، وصُدِمت بفواجعها المذهلة. وهي ظواهر لاننكر وجودها، ولا نقلل من خطرها، ولا نستخف بآثارها السيئة.
ولكنها مع ذلك، ومثله معه، ليست هي الاشكالية الأم. إنها أعراض لأمراض، كـ[الصداع]، و[المغص]، و[ارتفاع درجة الحرارة]، و[الدوار].
والأطباء المهرة يتخطون العَرَضَ إلى المرض. ومتى وقف الطبيب عند العَرَض، رمَّت الجروح على المفاسد، واستشرى المرض الحقيقي.
وإذا كان الطبيب يعتمد على الأشعة، والمناظير، والتحاليل، وزراعة العينات، لتشخيص المرض، ووصف العلاج، أو التدخل الجراحي، فإن السياسي المحنك، هو الآخر له آلياته، ومجساته، ومَسَابِيْره، وحدسياته، وتنبؤاته، ودراساته الواعية لكافة الظواهر، والوقوعات.
المعضلة القاتلة أن الأطباء يتبادلون الخبرات، والنتائج، ويأتمرون بينهم بمعروف، فيما يمارس الساسة مخادعة بعضهم، وإضمار المكائد، واستباق الفتن.
وتميز أحدهم يكون في القدرة على تمرير اللعب، دون وعي المُسْتَهدف، وإذكاء الخصومات، وتأجيج الصراع.
لقد دعاني إلى تلمس داء أمتنا غَفلةُ الكتَّاب، أو تغافلهم عن مكامن الداء، وانشغالُ بعضهم بالأعراض دون الأمراض.
إن اتساع رقعة الفوضى القتَّالة، وتنامي الأحقاد، وتجذر الفرقة، واستمراء القتل بين سائر المكونات السكانية، مرده إلى [داء واحد] متى شَخَّصهُ الكتَّاب، وتلقاه القادة، وتعاملت معه الأمة باحترافية واعية، تحقق الوئام، وضُيِّق الخناق على الخصام.
في الأسابيع الماضية صُدِمت الإنسانية بعملين إرهابيين همجيين بكل المقاييس: ممارسة [الحشد الشعبي] في [الفلوجة]، و[التفجير الانتحاري] في حي [الكرادة] بـ[بغداد].
والمسلم المستبرئ لدينه، وعرضه لايمكن أن يقترف خطيئة التِماس أي مبرر لهذين العملين. ولكنه لايجد حرجاً في تحري الأسباب، والبواعث، أملاً في قطع دابر الشر. فالعملان الوحشيان، لايمكن أن يكونا بمعزل عن ضغوط الواقع المعاش.
ومجرد وصف العملين بالوحشية، ووصف المنفذين بالإرهابيين غير كاف.
إن وراء ذلك بواعث لابد من تثويرها، واستصحابها عند مواجهة النوازل.
[العراق] و[سوريا] و[لبنان] و[اليمن] عروبة، وإسلاماً اختطفتهما الطائفية المجوسية بمواطأة من الطائفية العربية، وبمباركة من دول الاستكبار.
والطائفيتان:- [المجوسية]، و[العربية] أمام قومية عربية عريقة، وإسلام سني متجذر، يمثلان الأغلبية المتخاذلة.
والصراع الدموي لايمكن حسمه، مالم تحسم بواعثه. [العراقيون السنة] بقبائلهم، وفلول أحزابهم، لن يذعنوا لحكم الأقلية الطائفية، فكيف بالحكم الطائفي إذا كان خانعاً، متذيلاً للطائفية المجوسية الحاقدة على العنصر العربي: سنَّة، وشيعة.
مكمن الداء ليس في أعراض المرض. إنه في المرض. والمرض يتمثل في خطف العروبة، والإسلام على يد المجوس الصفويين.
إن الممارسات الوحشية في [الفلوجة] لاتستدعيها عمليات الاسترجاع المشروع. وكل قطرة دم ظالمة على تراب العراق سيدفع ثمنها المقترف. وما جرى من وحشية مماثلة في [الكرادة] إن هو إلا ردة فعل، كان بالإمكان تفاديها، لو أن الحكومة الطائفية العراقية المغلوبة على أمرها مارست العمليات العسكرية لتحرير [الفلوجة] بجيش عربي عراقي نظامي، يتحرك بدافع قومي إسلامي. وقيادة عربية إسلامية.
[العراق] مأرز القومية، و[ساطع الحصري] هو منظر القومية الأول، وسيقاتل أبناء العراق حتى تتحرر بغداد الرشيدة، وقلعة الصمود من التبعية للمجوسية الطائفية الصفوية.
ليس من مصلحة الأمة العربية تجاهل الداء الحقيقي، والتركيز على ظواهر الفتنة، وتجاهل بواطنها.
وفي كل مناطق التوتر في مشرقنا العربي يكمن الداء المتمثل بالتدخلات [الإيرانية] التي تفرض قوميتها الفارسية، وعقيدتها الرافضية الباطنية.
وإذا أردنا القضاء على [الإرهاب] و[القاعدة] و[داعش] وإعادة عشرة ملايين لاجئ إلى مساكنهم في [العراق] و[سوريا] فإن علينا إعادة [إيران] إلى داخل حدودها الإقليمية، ووضعها في حَجْمها الطبيعي، وإرغامها على التحول من دولة ثورية دموية، توسعية إلى دولة مدنية تحترم الأعراف، والمنظمات الدولية.
واستعادة الدول الأربع المخطوفة قومياً، وإسلامياً إلى عروبتها، وإسلامها. لاينهض به إلا تحرك عربي تقوده [جامعة الدول العربية] و[مجلس التعاون الخليجي].
وعلى خلاف ذلك كله مايجري على أرض المقدسات من عمليات إرهابية فاشلة مخنوقة بتلاحم الجبهة الداخلية، وبوعي رجال الأمن، ودفع الله:- {إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}.