يوسف بن محمد العتيق
منذ بدء الخليقة والبعض يركب موجة التدين لأهداف سياسية أو جماهيرية أو اقتصادية، فهناك من يركب موجة التدين ليسهل عليه سرقة وأخذ ما في جيوب الناس، وهناك من يركب موجة التدين ليسهل عليه أخذ عقول الناس، وهناك من يركب موجة التدين لتحقيق مطامع سياسية ليحقق نفوذًا اجتماعيًا وسياسيًا، وحين يحقق هذا أو ذاك هدفه يتبين الوجه الحقيقي له الذي كان يخفيه تحت ستار التدين، وهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن الدين والتدين.
«داعش» إحدى هذه الفرق التي ظاهرها التدين ومحاربة أعداء الإسلام (بحسب زعمهم) وهم في الحقيقة أكثر من يعادي الدين، فتصرفات «داعش» في سنوات قليلة أعطت انطباعًا سيئًا عن الإسلام والمسلمين نحتاج عقودًا طويلة لتصحيح هذه الصورة مع الأسف.
تصرفات «داعش» الدموية تذكرنا بفرقة القرامطة الباطنية التي انطلقت من شرق الجزيرة العربية في قرون متقدمة وعاثت في الدماء فسادًا في كل مكان وهو الفعل نفسه الذي تقوم به «داعش» الآن.
واشتركت «داعش» المحسوبة على السنة والقرامطة المحسوبة على الشيعة في جانب واحد وهو عدم احترام المكان والزمان المقدسين، وعدم احترام الدماء المعصومة.
وهنا أنقل نصًا تاريخيًا لأحد كبار المؤرخين، وهو الحافظ ابن كثير الدمشقي صاحب كتاب البداية والنهاية.
يقول ابن كثير في ذكره لأحداث سنة 317 هـ (الكلام أنقله باختصار): فيها خرج ركب العراق، وأميرهم منصور الديلمي، فوَصَلُوا إلى مكة سالمين، وتوالت الركوب هناك من كل مكان وجانب، فما شعروا إلا بالقرمطي قد خرج عليهم في جماعته يوم التروية، فانتهب أموالهم، واستباح قتالهم، فقَتَلَ في رحاب مكة وشعابها، وفي المسجد الحرام، وفي جوف الكعبة من الحجاج - خلقًا كثيرًا، وجلس أميرهم أبو طاهر على باب الكعبة، والرجال تُصْرَع حوله، والسيوف تعمل في الناس في المسجد الحرام في يوم التروية، الذي هو من أشرف الأيام، وهو يقول:
أَنَا اللهُ وَبِاللهِ
أَنَا يَخْلُقُ الخَلْقَ وَأُفْنِيهِمْ أنا
فكان الناس يفرون منه، فيتعلقون بأستار الكعبة، فلا يجدي ذلك عنهم شيئًا، بل يقتلون وهم كذلك، ويطوفون فيُقتلون في الطواف، فلما قضى القرمطي أمره، وفعل ما فعل بالحجيج من الأفاعيل القبيحة، أمر أن يدفن القتلى في بئر زمزم، ودَفَنَ كثيرًا منهم في أماكنهم من الحرم، وفي المسجد الحرام، وهدم قبة زمزم، وأمر بقلع باب الكعبة، ونزع كسوتها منها، وشققها بين أصحابه.
ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود، فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده، وقال: أين الطير الأبابيل ترميهم بالحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود، وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم اثنتين وعشرين سنة، حتى ردوه.
هذا ما قاله ابن كثير عن القرامطة، وقارنوه بما فعله تنظيم داعش بقرب الحرم النبوي الشريف في أواخر شهر رمضان الماضي من قتل للأنفس المعصومة.
كلهم اشتركوا في: عدم احترام الزمان المقدس، فالقرامطة انتهكوا حرمة أيام الحج، والدواعش انتهكوا حرمة ليالي رمضان.
والقرامطة انتهكوا حرمة مكة المكرمة أقدس البقاع عند المسلمين، والدواعش انتهكوا حرمة المدينة المنورة مدينة الرسول الكريم ومكان وفاته وجل وقته في الدعوة السمحة كان في المدينة المنورة.
والأهم من هذا وذاك أنهم قتلوا الأنفس المعصومة، وهو ما هو أعظم عند الله من الكعبة المشرفة.
هذه نظرة تاريخية وحديثة تثبت لنا أن الدين الإسلامي الكريم براء من هذه الانحرافات الكبيرة.