العلاقة بين جبل الثلج والإنسان علاقة تشابهية، علاقة لا نري منها إلا ما نراه من تصرفات الإنسان وما نراه يطفو على سطح البحر من جبل الثلج. في داخل كل إنسان جبل ثلج، في داخل كل إنسان مشاعر يحتفظ بها ومشاعر أخرى ترى النور ويبوح بها للآخرين. لا نقلل من المشاعر الدفينة فهي الصادقة أحياناً كثيرة لكنه لا يستطيع أن يبوح بها. ترى لماذا جبل الثلج في عرض البحر لا يذوب؟ السبب الرئيس لأن مساحته السطحية تكون كبيرة.. قانون الكثافة = الوزن/ الحجم.. فكلما زاد الحجم تقل الكثافة وما نراه على سطح البحر يمثل 30% من حجم جبل الثلج و70% من حجمه في أعماق البحر قدرة إلهية ومن أسرار الطبيعة التي لا يعلمها إلا الله.
هل هناك أصدق من مشاعر الأم نحو فلذات كبدها فجبل ثلجها في داخلها يطفو على سطح بحر الحياة ولسان حالها صادق في كل ما تقوله لكن للأسف هناك من الأبناء من لا يستطيع أن يستوعب ما تقول وما لا تقول فهو لا يعرف الغوص في أعماق من كان في داخل بطنها. وحين تبرد المشاعر بين الناس تتحول الحياة إلى مجرد نهر لا تنبتْ على جانبيه الأشجار والأعشاب ولا تحوم في سمائه الطيور. لقد جُبِل الإنسان على حب المشاعر الإيجابية فهي تريح العقل والقلب وتُورق الخير والعطاء وتدفع الإنسان إلى الأمام بعكس المشاعر السلبية، يا ترى هل جبل الثلج يُجمد المشاعر التي في داخلنا ويحولها إلى هيئة أخرى؟ صدق المشاعر تمنعها من التجمد وبالتالي المشاعر لا تتجمد كذلك المشاعر لا تشيخ المشاعر لا تذوب إلا عندما تكون مشاعر زائفة عابرة عندما تحقق أهدافها أقتبس (يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً، ويَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ).
ما أجمل تلك المشاعر البشرية والأحاسيس الإنسانية المرهفة الصادقة التي تُذِيب جبل الثلج الذي في داخلنا أو على الأقل تحجمه، الناس بحاجة إلى سماع صدق المشاعر والتعبير عن الحب والعطاء والإخلاص وما فائدة جفاف العواطف التي تقتل الرطب واليابس. كفانا تجمّد عواطفنا علينا جميعا وخاصة أولئك أصحاب القلوب المعطاءة أنْ نحول حالة التجمد إلى حالة السيولة التي تروي عطش مشاعرنا. ومن صور التعبير جاء في الحديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) وهناك قلوب قاسية أقسى من الحجارة قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.
وفي الختام إلى متى نخفي مشاعرنا، إلى متى لا نبوح بما في داخلنا، إلى متى نغيّب الشمس عن حياتنا إنها دعوة للجميع أن يذوبوا الثلج الذي في داخلهم وكما يقال «بكرة يذوب الثلج ويبان المرج» إلى متى ننتظر الأرض التي نعيش عليها جافة مُقفرة ونحن نستطيع أن نحولها إلى حديقة غناءة إنها صدق المشاعر ونبلها وما ينفع الندم للذين رحلوا عنّا ونحن نحبهم ونعزهم ونقدرهم لكننا بخلاء في ترجمة ما في داخلنا. صحارينا رغم قسوتها في فصل الصيف إلا أنّ ساكنيها يحملون بين صدورهم قلوباً محبة ومعبرة عن مشاعرهم لماذا لا نكون كذلك نحن من نعيش وراء الأسوار العالية.