الشجاعة هيئة حاصلة للقوة الغضبية بين التهور والجبن، بها يقدم على أمور ينبغي أن يقدم عليها. والفرق بين الشجاعة والجرأة أن الشجاعة من القلب وهي ثباته واستقراره عند المخاوف، وهو خلق يتولد من الصبر وحسن الظن، فإنه متى ظن الظفر وساعده الصبر ثبت، كما أن الجبن يتولد من سوء الظن وعدم الصبر.. وأما الجرأة فهي إقدام سببه قلة المبالاة وعدم النظر في العاقبة بل تقدم النفس في غير موضع الإقدام، معرضة عن ملاحظة العارض فإما عليها وإما لها.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، فقد واجه الكفر بمفرده، وذهب إلى صناديد قريش، وأئمة الكفر بمكة في نواديهم ومتاجرهم وأسواقهم ليعرض عليهم دعوته وليبين لهم بطلان ما هم عليه من الشرك وعبادة الأصنام غير مكترث لكثرتهم وقلة أتباعه. لكن هذه الشجاعة لم تحمله على التهور ومنابذة أعدائه في مكة ولم يؤثر عنه قط أنه أمر أصحابه في مكة بمواجهة المشركين بالقوة والسلاح بل كان يأمرهم بالصبر والثبات وانتظار الفرج من الله وأذن لهم بالهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة.
وكان صلى الله عليه وسلم أسبق الناس إلى مواطن الخطر، فلا ينتظر حتى تأتي إليه الأخبار بل يذهب بنفسه لاستكشاف الأمر وطمأنة الناس وتثبيتهم كما حصل حين فزع أهل المدينة على إثر صوت سمعوه فلما ذهبوا يتطلعون الخبر إذ برسول الله صلى الله عليه وسلم قد سبقهم على فرس لأبي طلحة وهو يقول: (لم تراعوا).
ومن شجاعته صلى الله عليه وسلم أنه كان أقرب الناس إلى العدو في المعارك، بل كانوا إذا اشتد البأس ولقي القوم القوم اتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ويضاف إلى اتصافه بهذه الشجاعة الفذة النادرة ما كان عليه من كمال القوة والجلد على العبادة والجهاد، فقد كان صلى الله عليه وسلم عظيم القوة شديد البأس.
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود