إبراهيم الطاسان
مغنية على سفوح جبل صبر تعزف الأوتار، تردد: أيا تعز، أتفتح أزهار براعم نبتت أصولها في أرض قد طال عليها الدهر بلا مطر؟ فتنثر أريج العطر على سفوح جبل صبر في عيد تبزغ شمسه تشع الفرح في صدور أطفال قطعت أطرافهم، وأرامل ثكلى أدمت المحاجر دموعها. قبل دهر من الآن احتفلنا بعيدين، عيد الفطر، وعيد تحرير عدن شقيقة تعز وجارتها. وكنا نتأمل أن تعود تعز وهي تردد الحان فرح عيد الفطر لهذا العام قائلة «ما أشبه العيد بالذي قبله». ولكن تعز وهي المدينة الحالمة ظلت كما هي أبية عصية معصومة، رغم أنها - كما أعلم - فرس الرهان بين العاشقين للملاح من المدائن. تعز مطمع لكل من نراهم يصرون إصرار إبليس على المعصية، بإغوائها كرهاً على التسليم والاستسلام بقتل فلذات كبدها من الأطفال، وحرائرها من النساء، وعقالها وشيوخها من الرجال. وهكذا تموت الحرة ولا تسلم وتستسلم لمن أراد إغواءها. وقيل المثل بابنة علقمة الطائي، وتدعى (الزباء) التي تزوجها رغم عدم رضاها سيد قومة حسباً ونسباً وبيتاً الحارث بن سليل الأسدي، وكانت بين الغيد، «كتعز بين المدائن» من أجمل بنات عصرها، تزوجها الحارث ودفع مهرها «150» من الإبل وخادم و»1000» درهم، وذهب بها إلى قومه. وذات يوم وهو جالس بقناء قومه وهي إلى جانبه، أقبل إليه شباب من بني أسد يتصارعون، فتنفست صعداء وأرخت عينيها بالبكاء، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت «مالي وللشيوخ الناهضين كالفراخ». فقال لها «ثكلتك أمك، تجوع الحرة ولا تأكل بثديها، إلحقي بأهلك لا حاجة لي فيك»، فذهب مثلاً يُضرب به. تعز أرخت عيونها سنة تبكي بغية الخلاص مما خبرت وعانت من حكم علي عبدالله صالح المخلوع كرئيس، وقبله الرئاسة كقائد مسئول بتعز. المخلوع عرف تعز أنها لا تلين فجند لها مرتزقة شوارع الضياع ووطاويط الكهوف ليخضعها، وأغدق عليها الإغراءات بصواريخ الكاتيوشا، والمدفعية الثقيلة. سنة كاملة وتعز تنتظر الفرج لتفرح بالعيد كما فرحت به عدن والمكلأ ومأرب ولحج. تعز حسناء بين أترابها، أبو فراس الحمداني قال:
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر
تعز مفتاح كل دروب صنعاء، وكما كان منها وإليها يبدأ وينتهي تاريخ النهضة الفكرية والأدب والفن واللباقة اليمنية. منها وإليها يبدأ استقرار اليمن كله.