القصيم - تركي الفهيد:
أكد أستاذ مكافحة الجريمة والإرهاب بجامعة القصيم والمستشار الأمني الدكتور يوسف بن أحمد الرميح أن الأحداث الإجرامية التي حدثت في القطيف وجدة والمدينة المنورة، والتي فجّر فيها عدد من الإرهابيين الداعشيين أنفسهم محاولين قتل الأبرياء من مواطني هذه البلاد المباركة، خطوة دنيئة لنشر الفوضى والدمار في بلادنا - حرسها الله -.
وقال الدكتور الرميح لـ«الجزيرة» إن حادثة المدينة المنورة التي فجَّر فيها انتحاري نفسه أمام الحرم النبوي الشريف، وقتل فيها أربعة من رجال أمننا وأسود وطننا، الذين ضحوا بدمائهم الزكية لحماية المسجد النبوي الشريف والمصلين فيه، واستشهدوا صيامًا مرابطين لحماية مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحادثة الرياض التي قام فيها شابان داعشيان مراهقان بقتل وطعن والديهما وأخيهما.. لا شك أن هذه الحوادث الأليمة والدموية وغير المستغربة على فكر وعقلية وسلوك هذا التنظيم الإرهابي الدموي والمتوحش بكل ما تعنيه الكلمة لتؤكد فكر داعش الإرهابي المتعطش لدماء أبناء هذه البلاد الطيبة المباركة.
وأوضح الدكتور الرميح أن هذه المنظمة الإرهابية تقتل لإثبات الذات للمتعاطفين مع التنظيم، فالشاب يجب أن يضحي بأحد أقربائه، وكلما كان الضحية المستهدف أقرب، كوالد أو والدة أو عم أو خال أو أخ أو أخت، كان ذلك أقوى وأفضل؛ للتأكد من أن هذا الشاب استحق بجدارة الانضمام للتنظيم الإرهابي. مشيرًا إلى أن نظرية قتل الأقارب تنطلق من مبدءَيْن: الأول: أن هذا القريب - بلا شك - كافر خارج من الملة، ومرتد يجب قتله؛ والسبب في ذلك أنه لم يبايع، ويكون ولاؤه للتنظيم. والثاني: أن هذا الشاب الراغب في الانضمام للتنظيم الإرهابي المتطرف يطلب منه إثبات ولائه وانتمائه المطلق للتنظيم، وهذا يحصل فقط بقتل قريب له؛ لأن هذا القريب بفكر وعقيدة التنظيم هو بكل تأكيد كافر، والأفضل أن تكون حادثة القتل موثقة بالصوت والصورة، ويعلن فيها ولاءه وانتماءه للتنظيم؛ ليكون بذلك دعاية للبقية من الشباب المراهق والمتردد في الدخول للتنظيم الإرهابي بأن يحزموا أمرهم، ويسارعوا للبيعة للتنظيم الإرهابي الدموي المتوحش. وهذا يثبت كذلك حالة الإفلاس واليأس التي يعيشها التنظيم الإرهابي بعدما قُطعت أوصاله في كل مكان، وجففت منابعه المالية والفكرية، ودُمرت قواعده، وقتل قادته، وهرب البقية هنا وهناك حول العالم.
وأضاف الدكتور الرميح بأن هذا يثبت أن التنظيم يمر بحالة من اليأس والقنوط والضعف؛ لذلك يحاول جاهدًا الضرب هنا وهناك كالحيوان الخطر الجريح، وهذا بكل تأكيد يتطلب تعاون وتكاتف الجميع، وأن نكون يدًا واحدة ضد كل من يحاول العبث بأمن بلادنا واستقرارها؛ لتقطع وتبتر - بإذن الله - تلك اليد النجسة التي تحاول العبث بأمننا واستقرارنا. وهذا يحتم علينا كمجتمع أمورًا عدة في غاية الأهمية والخطورة والحيوية: هذا يثبت - بلا شك - أن أسرة الشاب هي أول من يدفع ثمن دخوله لمثل هذه التنظيمات الإرهابية المتوحشة؛ لذلك فدورها يتضاعف، ويتأكد، ويتركز في وجوب مراقبة الشاب مراقبة دقيقة. فاليوم الشاب لكي يجند للتنظيم لا يحتاج لصديق يثق به ليجنده، ولكن يحتاج لهاتف ذكي وإنترنت يتواصل به مع التنظيم الذي يملي عليه شروطه ومتطلباته للانضمام، التي - للأسف - أولها قتل قريب كما ثبت من حوادث سابقة عدة بقتل آباء وأمهات وأعمام وأخوال وأبناء عم وأبناء خال. ومن الأمور المهمة أن تجنيد صغار السن يبدأ من بعض الألعاب الإلكترونية التي تنشر الفكر المتشدد، وتعلم الطفل الكره والحقد على مجتمعه وأسرته، وأنه لاستمرار اللعب وللفوز لا بد من أن يبدأ بالتضحيات، ففي البداية يبيّن له أنه يتعلم لعبة رجال، تعلمه نصرة الإسلام وقتال الأعداء والدفاع عن المستضعفين، وأنه سيحاسب على خذلانهم وعدم مد يد العون لهم. بعد ذلك تتطور اللعبة الخبيثة للعب على بناء نفسي فكري خبيث ومركز، هو قوة التحكم بالعقول، التي تتم بشكل مبرمج وخفي، يتم من خلالها إحداث تحولات نفسية عميقة، تصل إلى درجة توجيه فكر الضحية ضد عقيدتها وأفكارها ووطنها وأسرتها، وتبنيها عقيدة مشوهة عكس مصالحها، وهو ما يطلق عليه علميًّا عملية إعادة تعليم أو برمجة عقلية فكرية نفسية مركزة بالذات لصغار السن، حتى ليقوم هؤلاء المراهقون بقتل آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم أو قتل أنفسهم بالتفجير بطريقة متوحشة لا إنسانية؛ وكل ذلك لإرضاء قادة التنظيم الإجرامي الإرهابي الخبيث والدموي.
وقال الدكتور الرميح: التنظيم الإرهابي نجح في غسل عقول عدد من الشباب اليائس والمنطوي والمنعزل عن المجتمع، وذلك أن التنظيم الإرهابي يتفنن باستخدام طاقة الشاب النفسية بشكل لافت ومثير، ويركزها على مَواطن القوة المفتعلة؛ وذلك أن داعش يعتمد في تجنيده على طلبة الجامعات أو المدارس الثانوية لاتصالهم الدائم بالإنترنت، ولنشاطهم المستمر بوسائل التواصل الاجتماعي، وأيضًا لسهولة السيطرة على عقولهم من خلال تقنيات نفسية محددة، برعوا فعلاً في اللعب بها، تعتمد أساسًا على الأساليب النفسية والحيل الفكرية وإعادة البرمجة العصبية المستخدمة من قِبل التنظيمات الإرهابية للسيطرة على العقول الفتية، هي تقنية الإكراه وتقنية التلاعب النفسي. ومن خلال هذه التقنيات النفسية تتلاعب التنظيمات بعقول المراهقين لتجندهم ضمن صفوفها كإرهابيين. وبذلك فإن ما يقوم به هؤلاء المجندون من ذبح وسفك دماء لا يعد خيارًا بالنسبة لهم؛ فهم غير مدركين ذهنيًّا أنهم متورطون بعمليات قتل وذبح؛ لأنه بفضل تقنيات مسح الدماغ التي مورست على عقولهم بدرجة كافية يقومون بعملية ذاتية تخيلية دائمة، التي تجعلهم يظنون أنهم يجاهدون ويقاتلون في سبيل أهداف نبيلة كرفع الظلم والقضاء على الكفرة، وإبادتهم، وإنهاء الفساد.
ثم تتطور الحالة للتواصل مع هذا الشاب للبيعة للتنظيم بسرية مطلقة؛ ليكون جنديًّا يدافع عن العقيدة والدين في تصور التنظيم المتطرف، ثم تتطور الفكرة ليبايع على السمع والطاعة للتنظيم، وأنه حتى لو حاول والداه منعه فهذا منع من الجهاد الشرعي، ويجب عدم طاعتهم ومنعهم من ذلك ولو بقتلهم؛ إذ إنهم بمنعه من الذهاب للتنظيم والحيلولة دون الذهاب لأرض التنظيم فإنهم كفار مستباحو الدم، ويجب عدم السكوت.
هذه التصرفات الإرهابية من هذا المراهق قاتلة ومرعبة، وتتحملها عدد من الجهات: فالأسرة مسؤوليتها مضاعفة لمراقبة الشاب، والتأكد من توجهاته. وكذلك يضاعف مسؤولية المدرسة بمتابعة الطلاب وكشف أي فكر متطرف وإرهابي في بداياته وقبل اكتماله، وهو كذلك مسؤولية المسجد في توعية الشباب، والكلام عن أهمية الأمن وخطر الإرهاب، ووجوب السمع والطاعة لولاة الأمر، ومسؤولية الحي بمتابعة الشباب والمراهقين وفتح منافذ للترفيه، وقضاء الوقت تحت النظر، ومسؤولية الجهات الأمنية لمتابعة مثل هذه الانحرافات الفكرية في مهدها وقبل اكتمالها، ومراقبة مواقع الإنترنت، ومراقبة الاستراحات وأماكن تجمع الشباب. ولكن أظن أن الأهمية القصوى تقع على كاهل الأسرة؛ لأنها - وللأسف - سوف تدفع ثمن تهاونها وتأخرها في إبلاغ الجهات الأمنية عن بدايات انحراف وشذوذ الابن.