د. محمد عبدالله الخازم
عندما تصل لرقم معيّن في سنين العمر، يجب أن تقتنع بأن ما لم يحدث حتى اللحظة لا تستطيع التخطيط له من جديد!
احتفيت بيوم ميلادي مؤخراً، رغم أنها ليست عادة نشأت عليها، ولكن التواجد في وسط غير محلي يجعلك تفاجأ بمن يهنئك بعيد الميلاد، كجزء من طقوس الحياة. إضافة إلى اهتمام الأبناء بمثل هذا اليوم.
العمر أرقام، تتصاعد بدءاً من الطفولة فالبلوغ ثم الشباب وما بعده.. حتى الوصول إلى مرحلة استقرار يتبعها نكوص. أو هكذا نراها. يجب أن نقتنع في مرحلة ما، بأن كل ما لم يحدث في حياتنا لا نستطيع التخطيط له من جديد. نبدأ قطف النتاج وانتظار أحداث حياة، نهرب من بحث أسبابها ونوصمها بالمفاجآت أحياناً. بالذات حين يكون قاسياً وقعها...
ليس تشاؤماً، لكن قوة الدفع والمبادرة ووضع الخطط الطويلة الأمد، تتقلّص؛ يصبح من الصعوبة بمكان تغيير المهنة أو العودة للتدرج في المناصب أو بناء المهارة الرياضية أو الهواية أو إعادة طريقة تربية الأبناء...إلخ. لذا؛ بعض الأشياء، ما لم تأت بوادرها حتى اللحظة، لا تجهد نفسك بالسعي وراء تأسيسها.
لا يعني ذلك توقف الحلم ولا خفوت طموح الحياة... لكن يبدأ التفكير في النوعية. تصبح الأحلام الإيجابية يمثّلها البحث عن حياة أكثر هدوءاً، الحب والأمان المناسب للعمر، ترك سيرة عطرة في المكان، دعم الأجيال القادمة، سرد الذكريات...
العمر يمضي، عاماً إثر عام، تبلغ الخمسين... تدرك نهايات بعض الدروب والأحلام والأمنيات، ما تحقق وما لم يتحقق. لكنك لا زلت تجهل كيف تسير درباً معبداً. تخفق مرة تلو أخرى قبل الوصول. تتكرّر العثرات؛ ينكسر الحلم، يتوجّع القلب وتذبل الروح قبل الجسد، أحياناً. وجزيئات صغيرة أخرى في الحياة لا يدركها سواك.
تسير أيامك دون أن تملك السيطرة على تفاصيلها. تريد أن ترضي هذا وذاك وهم يأخذونك بعيداً عن تفاصيل أحلامك. يرون منزلك/ عملك/ مظهرك من الخارج، لكن هل هو منزلك، عملك، مظهرك، الذي كنت تحلم بتفاصيله...؟
تريد العيش بسلام لكنهم بقصد أو دون قصد يزرعون الشوك في الطريق. حتى غداؤك/ عشاؤك/ برنامج مشيك اليومي الذي تحلم به/ طاولة مكتبك التي تود أن تجلس عليها ساعات... يسرقون تفاصيلها منك. يدفعونك بوعي أو لا وعي لأن تكون مثلهم أو مجرد واحد منهم...
يتكرّر يوم الميلاد؛ في كل مرة تبذل الجهد وتعد بالوقوف مع النفس، تعيد تخطيط الحياة، وقليلاً ما تحسم الأمر... تغلب العاطفة، الظروف، إطارات الحياة، نواميس المجتمع، حسابات المال... فتنكص لتعود مجرد رقم ضمن أرقام البشر.
بكل طيب الخاطر تتنازل، تتسامح، حتى يصبح ذلك جزءاً من التكوين وملاذاً لترميم أهات الوجدان. ولا بأس في الختام من سؤال الوجع الأزلي؛ هل سيبقى الهم متوسداً هامتك أيها المناضل في دروب الحياة؟!