م. خالد إبراهيم الحجي
إن التحدي البارز في الوقت الحاضر هو الانتصار على الفكر الإرهابي المتطرف، وهذا التحدي يزيد ويتفوق بكثير جداً على تحييد زعماء المنظمات الإرهابية أو تفكيك الخلايا المتطرفة وتقويضها أو تدمير الشبكات الإرهابية تدميراً كاملاً، وأصحاب الفكر الإرهابي يوظفون التحريض لبث فكرهم المتطرف بين الشباب في أوساط المجتمع، ومبدأ التحريض مقصده وغايته ومنتهاه هو خلق التصميم على ترجمة هذا الفكر وتنفيذه على أرض الواقع في صورة العمليات الانتحارية، أو التفجير والتفخيخ في المنشآت المدنية أو الحكومية العامة.
والتحريض ينتمي إلى دائرة الأفكار والنوايا والأقوال لكنه لا يصل إلى دائرة المشاركة في التنفيذ والأفعال، ومن ثَمّ فإن المحرض يخاطب فكر الجاني وعقله، والتحريض العام: هو الذي يكون موجهاً إلى مجموعةً من الشباب يستغلها أصحاب الفكر التكفيري لتنفيذ فكرهم وتطبيقه في المجتمع على أرض الواقع، وعندما نتأمل سلوكيات الشباب، الذين وقعوا في براثن الفكر التكفيري والسلوك المنحرف، نجد أن هؤلاء الشباب الذين اعتنقوا الفكر المتطرف يشتركون في الصفات والسلوكيات التالية:
(1): الجهل بالدين وعدم معرفة سماحة الإسلام ووسطيته واعتداله.
(2): التردد والتخبط وانعدام التفكير العقلي السليم.
(3): العجز عن قراءة الواقع والتحليل وافتقارهم لملكة التفكير النقدي البناء.
(4): سرعة الطاعة وسهولة الانقياد لأصحاب الفكر المتطرف (المحرضين) الذين فرضوا عليهم آراءهم وتصوراتهم المتطرفة.
(5) تكرار الانتكاس، فقد انتكسوا ابتداءً بوالديهم وأسرهم وأقاربهم ومعارفهم والمجتمع الذي يعيشون فيه -الذين كانوا في يوم من الأيام يضحون من أجلهم-، والبعض الآخر تكرر منهم الانتكاس للمرة الثانية بعد توبتهم ودخولهم برامج المناصحة المتخصصة في تصحيح الفكر المتطرف والسلوك المنحرف. وسهولة الانقياد وتكرار الانتكاس انتهى بهؤلاء الشباب إلى تقديم حاجات وأولويات زعمائهم، من أصحاب الفكر المتطرف، على حاجات أنفسهم وأولوياتهم الشخصية في سبيل التضحية من أجل زعمائهم؛ فنفذوا تعليماتهم الإرهابية، وقد نجح أصحاب الفكر الإرهابي المتطرف في تحريض الشباب على ارتكاب الأعمال الإرهابية من خلال توظيف بعض الفتاوي الشرعية التي تحتاج إلى توضيح أو تفصيل أو فُهمت فهماً خاطئاً، أو استغلال هفوات أو زلات العلماء، ولا يتردد هؤلاء المحرضون قيد أنملة في اختيار الفتاوي الدينية المناسبة؛ وخاصة توظيف بعض الفتاوي التكفيرية، للتأثير على فكر الشباب مع استغلال المكانة التي يتمتع بها أئمة مذهب أهل السنة والجماعة والسلف الصالح وتربى عليها الشباب منذ نعومة أظفارهم، لأنها تعطي كل من يستشهد بفتاويهم مصداقية قطعية لا تقبل الشك أو النقاش فتؤدي إلى الانسياق خلف دعوات المحرضين دون تفكير أو تحليل أو نقد لهم.
وقد نجح المحرضون في توظيف فتاوى أئمة أهل السنة والجماعة والسلف الصالح التكفيرية في غير مكانها الصحيح، مثل: فتوى جواز قتل الولد لوالده إذا كان مشركاً دون التفريق في حال السلم أو القتل عند المواجهة في الحرب، فقد استغلها المحرضون وعممومها في حال السلم لشرعنة التحريض وبث الفكر المتطرف بين الشباب في أوساط المجتمع، والتحريض إحدى الوسائل الفتاكة التي تسهل الطاعة والانقياد لزعماء الفكر الإرهابي من خلال إثارة الشباب؛ فيجعلهم يتصرفون بشكل عدواني بعيداً عن العقل والمنطق أو الوسطية والاعتدال، وقد تمثل هذا الانقياد لزعماء الفكر المتطرف (المحرضون) في الجريمة البشعة التي حدثت فجر يوم الجمعة الموافق 19 رمضان 1437هـ في مدينة الرياض على يد أخوين توأم من الشباب المتطرف في شرخ العشرين سنة من العمر، أدت إلى مصرع الأم -رحمها الله- وإصابة الأب والأخ الأصغر بجروح خطيرة أدخلتهم العناية المركزة، وقد صدر بيان من وزارة الداخلية بشأن الأخوين التوأم المجرمين بعد القبض عليهما بأنهما من أصحاب الفكر التكفيري والسلوك المنحرف، وبناءً عليه فقد ورد في صحيفة الجزيرة الغراء في عددها الصادر يوم السبت الموافق 20 رمضان 137هـ إفادة وتوضيحٌ وتفصيلٌ من معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ -حفظه الله- عما يتم تداوله من كلام منسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- منقول من مجموعة فتاوى ابن تيمية المجلد الرابع عشر صفحة 478 قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}. فهذا فيه تقييد، فإن الوالد إذا دعا الولد إلى الشرك ليس له أن يطيعه بل له أن يأمره وينهاه، وهذا الأمر والنهي للوالد هو من الإحسان إليه، وإذا كان مشركاً جاز للولد قتله، وفي كراهته نزاع بين العلماء»، وكان توضيح وتفصيل معالي الوزير -حفظه الله- لهذا النقل المتداول «أن ابن تيمية يقصد إذا تواجها في الحرب وكان الولد في فئة المؤمنين والولد في فئة الكافرين، يعني في هذه الحالة لا تنافي الآية: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}. وعندما يستند المحرضون على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي فُهمَ على غير وجهه الصحيح، يكون لديهم قوة تأثير نافذة إلى فكر هؤلاء الشباب، فينجح المحرضون في التأثير عليهم ويجدون قبولاً واسعاً بين الشباب لأن فكرهم أصبح مهيئاً لاستقبال دعاوي التحريض المغلفة بغطاء شرعي، من وجهة نظرهم، لتنفيذها على أرض الواقع وتطيقها عملياً في سلوكهم المنحرف، لذلك هذه الدعاوى التحريضية الإرهابية المتطرفة تنتشر بين الشباب في أوساط المجتمع الإسلامي كسرعة انتشار النار في الهشيم؛ لذلك فإنه يجب على الأسرة والمدرسة والمجتمع التعاون والتكاتف لتحقيق الأمرين التاليين:
الأول: رعاية الشباب ومعرفة أفكارهم وتصوراتهم الدينية في مراحل التعليم المختلفة، وتوفير المناخ الملائم لاكتشاف أنفسهم في مرحلة عمرية مبكرة، وإفساح المجال لهم للتعبير عن خواطرهم، واستخراج بنات أفكارهم مع ضرورة حرص المعلمين على اكتشاف الميول والاتجاهات الفكرية المختلفة للطلبة، وتصحيح الأفكار الخاطئة عندهم لوقاية الطلبة وتحصينهم من خطر الاستدراج من قبل أصحاب الفكر الإرهابي المنحرف الذين يغررون بالشباب المسلم، وتنشئتهم على فهم أصول الدين الصحيحة ومعرفة سماحة الإسلام ووسطيته واعتداله.
الثاني: تربيتهم على إمعان التفكير والتحليل وتنمية ملكة النقد البناء للوصول إلى الفكر المعتدل الصحيح وقبوله، ونبذ الفكر الإرهابي المتطرف ورفضه ومحاربته.
إن نجاحنا في تحقيق الأمرين السابقين هو خط الدفاع الأول في مواجهة السلوك المنحرف وحماية الشباب من الوقوع في براثن الفكر الإرهابي المتطرف المبني على فتاوي التكفير، وهو السياج المتين لحفظ الأمانة التي حملها الإنسان وعجزت السماوات والرض والجبال عن حملها، كما يجب على القائمين على صياغة فكر المجتمع أن يأخذوا بيان وزارة الداخلية بأن الأخوين التوأم من أصحاب الفكر التكفيري مأخذ الجدِّ وبلا مواربة، ويحللوا الأسباب الصحيحة التي أدت إليها، مع توضيح الفتاوي الإسلامية السابقة للسلف الصالح والأئمة وتفصيل ما التبس منها أو أشكل فيها، وتنقية المراجع الإسلامية من هفوات أو زلات بعض العلماء التي تخالف سماحة الإسلام ووسطيته واعتداله، وتفضح تشريع الفكر التكفيري في التراث الإسلامي كخطوة أولى في سلسلة علاج التحريض على الإرهاب، والقضاء على الفكر الإرهابي المتطرف والسلوك المنحرف.