د. عبد الله المعيلي
قلوب عمي، فاسدة قاسية، ميتة غليظة، وعقول منحرفة متحجرة، منغلقة ضالة، إنها قلوب الشباب السائرين في ركب داعش وعقولهم، هؤلاء المضلّلون لا يفقهون من ضرورات الدين الإسلامي التي بيَّنها الله في كتابه الكريم، وأكّد عليها سيّدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في المتواتر الصحيح من الحديث النبوي الشريف، في حق الإنسان عموماً والوالدين على وجه الخصوص عطفاً على ما تستقيم به حياة الناس وحفظ حقوقهم ودمائهم وأمنهم، وما يجب أن يتسم به المسلم من احترام لبيوت الله عامة والمسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، كونها مقدسات لها حرمتها واحترامها نظراً لما تمثّله في وجدان كل مسلم.
احتار العقلاء وعلماء النفس والطب النفسي في فهم الجرائم التي يرتكبها هؤلاء البغاة في حق غيرهم من بني البشر ودمائهم عامة والوالدين خاصة، وكل ما له صلة باستقامة حياة الناس وأمنهم وأموالهم وأعراضهم، جرائم تقشعر منها الأبدان لهولها وبشاعتها، وخروجها على الأطر الشرعية والبشرية.
من يستطيع أن يفهم أو يفسر أو يسوغ أو أن يفكر مجرد تفكير بأن يقدم أحد على قتل والديه، فما قام به التوأمان من قتل والدتهما والشروع في قتل والدهما وأخيهما وهما يعلمان بالضرورة عظم حق الوالدين، ولا سيما أن الله نهى وحذَّر من أن يقوم المسلم ولو بأبسط الأمور كالتأفف من الوالدين وهو أدنى صور السلوك المرفوض تماماً، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (الإسراء الآية 23)، وقال تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان الآية 15).
يفهم من الآية الكريمة السابقة أنه وإن جاهدك - أيّها الولد المؤمن - والداك على أن تشرك بي غيري في عبادتك إياي مما ليس لك به علم، أو أمراك بمعصية من معاصي الله فلا تطعهما، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعليك أن تصاحبهم في الدنيا بالمعروف فيما لا إثم فيه، واسلك - أيّها الابن المؤمن - طريق من تاب من ذنبه، ورجع إلي وآمن برسولي محمد صلى الله عليه وسلم.
فهل هناك ما هو أشنع من أن يأمرك والداك أن تشرك بالله؟ أبداً، ومع ذلك جاء التوجيه الإلهي أن تصاحب والداك في الدنيا، لا أن تقتلهما أو تهجرهما.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي، قال: (أمك)، قال ثم من، قال (ثم أمك)، قال ثم من، قال: (ثم أمك)، قال ثم من، قال: (ثم أبوك).
هذا هو الإسلام الحق، هذا هو منهاج المسلم مع والديه، بر وحسن تعامل، إحسان وعطف، تقدير واحترام، أما منهاج دعاة جهنم الدواعش فبغي ومعصية وقتل.
فيا أيّها الشاب المسلم، اتبع سبيل لله وأنت تتعامل مع والديك، واعلم عظم حقهما، والإحسان لهما، برهما وتذلّل، أحسن إليهما، اسع في قضاء حوائجهما، وإياك إياك أن تتبع سبيل دعاة جهنم، الدواعش الفجّار الكفرة، الذين خرجوا على الفطرة البشرية، وغدوا أضل من البهائم، لقد تجرّدوا من كل معاني البشرية والإنسانية التي ارتضاها الله لعباده.
اتبع سبيل الله وهديه وشرعه وسنّة نبيه، واتبع توجيهات العلماء الشرعيين المعتبرين.