لا يخلو أي اجتماع بين الناس من النقاش وتداول الأفكار والحديث عن بعض القضايا المعاصرة, فنلاحظ بأنه يوجد غالباً في كل مجلس شخصٌ يريد فرد عضلاته والتحكم في النقاش, إما لأنه أكبرهم سناً, أو لأنه أكثرهم علماً, أو لأنه ذا منصب وجاه, ويريد من الحاضرين هنا بأن يقتنعوا برأيه حتى وإن لم يكن صائباً.
المشكلة ليست هنا فقط!!
بل إنها تمتد إلى أن تصل لعدم احترامه لآرائهم, وهذا التصرف غير مقبول منه!! لأن الحوار المثمر ينتهي باحترام آراء الناس بصرف النظر عن مدى صحتها من عدمه.
لذا إذا أردت الحوار مع شخصٍ ما, يُفضل أن تتفهم شخصية الطرف الآخر قبل البدء في حوارٍ معه.
وعندما تجعله يبدأ في عرض موضوعه لك تستطيع من خلال ذلك أن تعرف طبيعته وتتفهم أسلوبه, وتعرف هل هو ممن يتحدث لامتلاكه المعلومات الحقيقية عن الموضوع, أم من خلال تحليله الشخصي؟
وتعرف كيف يحكم على الأحداث هل هو بعقله, أم بقلبه؟
وتعرف مدى وعيه وفهمه بالأمور؟
وهل هو ممن يتعصبون إلى فكرٍ ما, أم أنه معتمد في طرحه بناءً على ما ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؟
وبالتالي يمكنك أن تجد الطريقة المناسبة لكي تكمل حوارك معه, أو أن تجعل من الصمت حلاً مثالياً لهكذا حوار.
ربما يتساءل البعض لِمَ قد أصمت وأنا على حق!! وهنا أقول له إليك بعضاً من النصائح التي إن طبقتها في نقاشاتك ستجد بإذن الله تعالى نتائج إيجابية، وهي:
1- الصمت قد يكون الحل الأمثل في بعض النقاشات, عندما يكون من تحاوره لا يقبل إلا برأيه فقط وإن كان مخطئاً, لذا ينبغي أن تتحلى بالصبر والحكمة, ليس مِن أجل مَن تحاوره بل اقتداءً بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (أنا زعيم ببيتٍ في ربضِ الجنة لمن ترك المِرَاء وإن كان محقاً), والمِرَاء هنا بمعنى (الجدال).
2- أن نستمع للآخرين بقصد الفهم لتكون اتصالاتنا أكثر فاعلية, فنبدأ بالاهتمام بما يحاول الآخرون قوله ونكون مستعدين للاستماع لهم بكل دقة, ونتخلى عن تعديل وجهاتهم حسب أرائنا ورغباتنا, ومن ثمَ نطرح برأينا وهذا يحتاج إلى التفكير في الموضوع لثوانٍ معدودة, والجرأة في التعبير عن مشاعرك الحقيقية وطرحها, والمهارة في أن تبين وجهة نظرك بناءً على قدرات الآخرين.
3- أن يقتصر ما سنقوله على قدر فهم الطرف الآخر, فعندما تحاور إنسان عمره خمسون سنة, يختلف عن محاورتك لآخر عمره خمسة عشر سنة, لذلك فقد قيل: ( كِلْ لكل عبد بمعيار عقله , وزِنْ له بميزان فهمه , حتى تسلم منه وينتفع بك , وإلا وقع الإنكار لتفاوت الأعمار ).
4- أن لا تفقد أعصابك عندما يوجه إليك الطرف الآخر بعضاً من القول البذيء أو من الإشارة بقصد أن يستفزك, وكن حليماً وأعرف ما سبب توجيهه لك بهذا القول أو الإشارة وتأنى في اختيار الكلمات المناسبة للرد عليه, لأن تربيتك وتعليمك لا يسمحان لك بأن تستخدم نفس أسلوبه, ولأن الناس تنشغل في العادة بمظهر الحدث لا بسببه.
5- أن تكتشف نقاط الضعف في الطرف الآخر والتي تُعتبر بمثابة المدخل المحبب بالنسبة له, لكي يسهُلَ عليك أن تطرح برأيك ونقاشك من خلالها, فيصبح وقعها عليه أكثر تأثيراً وبالتالي تصل إلى هدفك بسهولة, لذلك فقد قيل: (لكل باب مفتاح يفتحه).
حكمة..
ليس بالضرورة أن تقتنع برأي الآخرين, ولكن من الضرورة أن تحترم رأي الآخرين.