لطالما كانت ثقافة الحوار قائمة بين النّاس منذ الأزل، فالحوار هو بلا شكّ ضرورة حتميّة فرضتها طبيعة البشر وفطرتهم المجبولة على التّحدث مع الآخرين والاستماع إليهم، ولقد حاور الله تعالى إبليس -لعنه الله- في القرآن الكريم، حيث استفهم جلّ وعلا -وهو أعلم بمن خلق- من إبليس عن سبب عدم سجوده لآدم فقدّم اللّعين إبليس حجّته الواهية قائلا (أأسجد لمن خلقت طينًا)، ولقد استمرّ الحوار بعد ذلك بين الأنبياء وأقوامهم فقد استلزمت الدّعوة في كثيرٍ من المراحل إلى ضرورة لجوء النّبي إلى محاورة قومه من أجل أن يقنعهم ويقيم عليه الحجّة بالبرهان والمنطق السّليم، وقد بقي سيّدنا نوح عليه السّلام في قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا يدعوهم ويحاورهم، وإنّ أهميّة الحوار تكمن في عدّة نقاط نذكر منها: أن الحوار وسيلة لإيصال المعلومة الصّحيحة، فالإنسان حين يريد أن يوصل معلومة صحيحة إلى النّاس فإنّه يلجأ إلى الحوار معهم من أجل إقناعهم بفكرته وبالمقابل استماعه لهم في حال رغبوا بطرح أي سؤال للإجابة عليه، وإنّ تبادل الآراء هذا يولّد في النّهاية فكرة صحيحة على الأغلب إذا كان الحوار مستندًا إلى قاعدة علميّة موضوعيّة بعيدًا عن الهوى والميول والتّعصب والعاطفة وكذلك كون الحوار مرنا بين المتحاورين. لذلك يعتبر الحوار من أكثر أساليب التّواصل رقيّاً، حيث ينطوي على العديد من الأخلاق الحميدة التي ينبغي أن يتمتع بها كل فرد، ويؤثر الحوار على صبر الأفراد وقدرة إسماعهم للآخرين، وتكمن أهميّة الحوار بالوصول للعديد من الحلول المرضية لجميع الأطراف وهو مصدر لتبادل الأفكار والثقافات وإحدى أهم وسائل الاتصال الفعّال ألستم معي بأن للحوار النّاجح والمثمر آدابا ينبغي التقيّد بها والعمل بها أثناء الحوار كاحترام الرّأي الآخر وتقبّل الأفكار كافّة وحسن الإنصات والاستماع مما يضفي رونقاً خاص للمحاور ويشعر المتحاور بأهميّة كلامه فيدفعه للاستماع وتقبّل الآخرين كما تقبلّوا رأيه، وينبغي التنبّه لعدم مقاطعة أحاديث الآخرين وانتظارهم لحين الانتهاء من كلامهم حتّى وإن طال، وعلى الشخص أن لا يبدي أيّاً من مظاهر الملل وعدم الاكتراث لما يقوله الآخرون أو الاستهزاء بأفكارهم أو معتقداتهم فعلى الفرد التحلّي بالاحترام لجميع الأفراد المتحاورين واحترام آرائهم فيكون أساس الحوار الاحترام المتبادل، ويجب أن ننبه إلى أمر وهو أن وجد بمجلس الحوار شخصاً متعصّباً لرأيهولا يجيد آداب الحوار فينبغي التحلّي بالصّبر والحلم ومحاولة توضيح وجهات النّظر بكل هدوء ودون تعصّب، وعلى الأفراد المتحاورين التحلّي بالصّدق عند إبداء الآراء تجاه أمور معيّنة والابتعاد عن الكذب فكلّما كان المتحاور صادقاً بكلامه كلّما كانت قوّة إقناعه أشد و أقوى على الطرف الآخر وعند النقاش والحوار يجب أن نعرف جميعا أن هناك أمورا يجب الاهتمام بها وهي أن يكون الحوار هادفاً ليصل إلى نتيجة ولا يؤول إلى جدل. و عدم السخرية من المحاورين فأنت تعترض على رأيه لا عليه وكذلك عدم استخدام الألفاظ السيئة في الحديث والتزام الرقي بحديثك. وغيرها كثير فأنا بمقالي هذا أريد أن أوجه إلى لغة قد افتقدناها نحن وافتقدها طلابنا وهي لغة الحوار والنقاش والآداب التي يجب أن نتحلى بها أثناء حوارنا ونقاشنا حيث اتضح بعد مراجعة بعض الأطروحات العلمية والتجارب العالمية واستعراض انعكاس بعض الثقافات على مؤسساتها التربوية في عديد من البلدان تم التوصل إلى نتيجة مهمة لها علاقة وطيدة بعدم انتماء الطلاب إلى بيئتهم المدرسية، وعدم رغبة الطلاب في الاستمتاع بيومهم الدراسي واكتسابهم القيم والمهارات والخبرات اكتسابا ذاتيا، وهي أن الطالب يقضي أهم فترة عمرية في حياته الدراسية - وهي فترة بناء الشخصية - ليس له نصيب في اتخاذ القرارات المتعلقة به في مدرسته وليس له مجال أصلا في إبداء رأيه ولم ينشأ أو يربى على ذلك فضلا عن عدم امتلاكه الأدوات الكافية لإبداء الرأي، ويرجع ذلك إلى عدد من الأمور التي من أهمها غياب ثقافة الحوار على مستوى المجتمع عموما وفي المدارس تعلماً وممارسة في الوقت الذي تشير فيه بعض الدراسات الحديثة إلى أن العوامل المؤثرة في رفع مستوى ثقافة الحوار لدى الفرد هي بالدرجة الأولى التربية والتعليم ثم التربية الأسرية ثم تطبيقاتها من خلال الأنشطة الثقافية والاجتماعية ثم من خلال وسائل الإعلام.
إن زيادة ثقافة الطالب الحوارية وممارسته للحوار لا تنعكس على زيادة رغبة الطالب في مدرسته وانتمائه لها فحسب، بل تسهم بشكل كبير في بناء الشخصية وصناعة مستقبل جيل واع ومشارك وإيجابي وتقضي على السلبية وتزيد من الوطنية الصالحة بتوفيق الله.
ممارسة الحوار في المدرسة بعد امتلاك أدواتها ومهارتها تعني أن نجعل الطالب يشارك برأيه في النقد البناء لبيئته المدرسية وفي اتخاذ القرارات المتعلقة به، كيف لا وهو المستفيد الأول من مرافق المدرسة على أي حالة كانت وينسحب الأمر أيضا على القرارات الإدارية وطرق التدريس والأنشطة التي وضعت من أجله. ونتمنى أن تكون الشراكة بين مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ووزارة والتعليم أن يكون هناك استراتيجية ممنهجة تقيس نجاحها بقدرة الطالب العادي بعد التخرج على امتلاكه أدوات الحوار وآدابه وفنونه منعكسة على طبيعة أحاديثه بتلقائية ودون تكلف كعنصر مشارك في اتخاذ القرار. حتى يظهر لنا طلاب متميزون ومعبرون عن آرائهم بكل ثقة وأريد أن أنبه إلى محاورة وزير التعليم الدكتور أحمد بن محمد العيسى، أثناء لقائه بأبنائه طلبة الجامعات السعودية، حيث كان حوارا مباشرا مع الطلبة، بهدف الاستماع لمقترحاتهم، والتطلعات والتحديات التي تواجه الطلبة في دراساتهم الجامعية.
حيث تحدث الوزير لأبنائه الطلبة، في أول لقاء معهم رغبة للاستماع إلى تطلعاتهم والتحديات والمشاكل التي تواجههم في دراساتهم الجامعية مباشرة لأنه أراد أن يعرف منهم بدلا من الاستماع إليها من قبل منسوبي الجامعة، ليتمكن من نقل ما يلزم من هذا اللقاء ومناقشته مع مدراء الجامعات.
لقد استمع الوزير إلى الملاحظات والاقتراحات التي طرحها أبناؤه الطلاب، والتي أوضح أنها ستأخذ في الحسبان وستسهم في تحسين البيئة التعليمية الجامعية، موضحاً أن مثل هذه اللقاءات تعد فرصة للتحاور وطرح المرئيات وإيضاح بعض النقاط بشكل مباشر دون وسيط بيننا وبين الطلاب وقد أكد لي الكثير من الطلاب عن سعادتهم بهذا اللقاء حيث الحوار والنقاش الهادف ملتزمين بآداب الحوار وكيفية النقاش للوصول إلى الأهداف المرجوة نعم هكذا يجب أن نتعامل مع طلابنا وطالباتنا من أجل دفعهم إلى الأمام وإلى تربية الثقة بالنفس والاعتماد عليها لأنه إذا تحدث الطالب بإبداء رغباته وتوضيح آرائه سوف ننتج جيل نفتخر به ونعتمد عليه في بناء الوطن وحمايته والدفاع عنه بكل عزيمة وإصرار دفاعا بالقول أو الفعل. نعم نحن جميعا من أجل الوطن من أجل الرقي به وأكرر دائما (دمت يا وطني شامخا).