يوسف المحيميد
علينا أن نسلِّم بأن مجتمعنا يتصف بالمحافظة والتقليدية أكثر من اتصافه بالتشدد والتطرف، وهو ما وصفنا فيه بعض الغربيين الذين درسوا هذا المجتمع، ومن هنا نشأ تياران، تيار محافظ يخشى الجديد، ويشعر بوجود عدو في المجتمع وهو المجدد، أو من يسعى إلى التجديد أسوة بالمجتمعات المحيطة، وتيار آخر مجدد، يؤمن بضرورة تسريع وتيرة الحداثة في المجتمع، خاصة على المستوى الاجتماعي، والتي يعيقها المحافظون أو التقليديون، فليس معقولاً أن ننمو اقتصادياً وننهض عمرانيا، ونتقدم علمياً، وفي معظم أوجه الحياة، في مقابل تخلفنا اجتماعياً، من هنا ينشأ صراع دائم وعلني في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ليس صراعاً إسلامياً ليبراليا، كما يروج له البعض، بل صراع تقليدي تجديدي، خاصة أن معظم الخلافات تتعلق بمطالبات انفتاح المجتمع على الفنون، كالسينما والمسرح والموسيقى وغيرها، وتطوير وضع المرأة، بمنحها حقوقها الطبيعية، كحقها في العمل والسفر وغير ذلك من مصالحها وحقوقها الإنسانية.
من هنا، لا أحب ما يجري من اتهامات بين هذين الفريقين كلما وقعت جريمة، نفذها مجرمون وقتلة، وهزت جميع أطياف المجتمع وفئاته، كما يحدث من إرهابيين تعمل على تجنيدهم وتحريضهم جهات متعددة، سواء في الداخل أو الخارج، ولا أحب تبسيط هذا العمل المنظم، العمل الإرهابي الذي يتحول على مدار عقود، سواء في آلياته المستخدمة، أو في استهدافه من أجانب إلى مواطنين إلى رجال أمن، ومن جهات حكومية وسكنية، إلى مساجد وغيرها، فهو يحاول منذ عقود زعزعة أمن هذا الوطن المطمئن، بكافة السبل والأشكال.
نحن بحاجة إلى التعامل الجاد مع قضية الإرهاب، ليس مجرد اتهامات غير منطقية، واجتهادات لما يحدث في بلادنا منذ آول تفجير في العليا، نوفمبر 1995، وحتى محاولة اقتحام الحرم النبوي، لتفجير المصلين أواخر ليال رمضان، ولا يكفي التعامل الأمني وحده، حتى ولو كان ناجحاً ورائعاً، ولا تكفي لجان المناصحة حتى لو حققت نجاحاً نسبياً، وإنما لا بد من دراسة هذه الظاهرة المستمرة منذ أكثر من عقدين، وبحث جذورها وأسبابها، للتوصل إلى علاج حاسم، يتحول المجتمع بعده إلى مجتمع منتج ومتسامح، يتعمد التفكير منهجاً، لا التلقين من غير وعي وفهم وتحليل، نحن بحاجة إلى مركز دراسات وبحوث دولي، متخصص ومتطور، يقوم بالدراسة التاريخية لبدايات الإرهاب، وأدواته الفكرية، ووسائله المستخدمة، وتحولاته، يجمع المختصين والباحثين من جنسيات مختلفة، لدراسة لهذه الظاهرة، على المستوى التاريخي والسياسي والاجتماعي، لتكون نتائج هذه الدراسات والبحوث هي الدليل الذي يقود هذا المجتمع، وغيره من المجتمعات العربية وغير العربية، إلى التخلص منها بشكل نهائي، بدلاً من أن تخمد لسنوات، لكنها لا تزول، وإنما تبقى مجرد خلايا نائمة، تنتظر لحظة فوضى أو ارتباك سياسي في بلد ما، حتى تستيقظ من جديد، وتبدأ باستخدام أدوات وأساليب جديدة.