د. أحمد الفراج
في الانتخابات الأمريكية الرئاسية، لعام 2008، كان تنافس باراك أوباما وهيلاري كلينتون للترشح عن الحزب الديمقراطي واحدا من أشرس السباقات، ومع أن هيلاري، حينها، كانت وجها مألوفا، عرفها الشعب الأمريكي، كزوجة واحد من أفضل الرؤساء الأمريكيين، منذ الحرب العالمية الثانية، ورغم أن أوباما كان قادما من المجهول، إلا أنه فاجأ نفسه قبل الجميع، عندما توالت انتصاراته، وأصبح شبحا مخيفا لهيلاري، وعندما أدرك قادة الحزب الديمقراطي أن فرصة هيلاري باللحاق بأوباما أضحت مستحيلة، ضغطوا عليها حتى انسحبت من السباق، وكجزء من الحراك الديمقراطي الحي، فقد أصبحت هيلاري أحد أكبر أنصار أوباما، وساعدته في بقية حملته الانتخابية، حتى فاز بالرئاسة.
وجدير بالذكر أن كلمة زوجها، الرئيس بيل كلينتون، في مؤتمر الحزب الديمقراطي ذلك العام، كان لها دور كبير في فوزه، وبعد فوز أوباما بالرئاسة، رشح هيلاري لتكون وزيرة للخارجية، في فترة رئاسته الأولى.
تذكرت كل ذلك، وأنا أشاهد هيلاري كلينتون ترافق الرئيس أوباما، على متن الطائرة الرئاسية، في رحلة إلى ولاية شمال كارولينا، ضمن حملتها الانتخابية، وقد غطت معظم وسائل الإعلام ذلك الحدث، فأوباما يتمتع، -حاليا- بنسبة تأييد جيدة، على غير العادة، في مثل هذا الوقت، أي قرب نهاية فترته الرئاسية الثانية، وهيلاري أحوج ما تكون لدعم الرئيس، فلا تزال شعبيتها متدنية لدى شرائح كثيرة من الشعب، خصوصا السيدات والشباب دون الثلاثين، كما أن منافسها، برني ساندرز، لا يزال في السباق، رغم انعدام فرصه بالفوز، وبإمكان ساندرز تشتيت الحزب الديمقراطي، وإفساد فرص هيلاري، إذ صوّت له أكثر من ثلاثة عشر مليون مواطن، وهو عدد كبير، ولكن معظم الدلائل تشير إلى أنه سينسحب من السباق، ويدعم هيلاري، في نهاية المطاف، فقد صرح ساندرز -مؤخراً- بأنه لن يسمح أبداً بفوز ترمب بالرئاسة، وهو يعلم أن عدم دعمه لهيلاري سيضر بها، ويعطي ترمب أملاً ضئيلاً بالفوز.
هذا الحراك الديمقراطي العجيب يأسر الألباب، بدأ بحرب شرسة بين هيلاري كلينتون وباراك أوباما، في عام 2008، ثم انسحبت هيلاري من السباق، ودعمت أوباما حتى فاز بالرئاسة، ثم عملت وزيرة للخارجية في إدارته، ثم الآن في عام 2016، أوباما يرد لها الدين، ويدعمها بقوة للفوز بالرئاسة، أقول إن هذا الحراك هو سر صعود هذه الإمبراطورية، وصمودها لأكثر من قرنين، وسيطرتها على العالم، ثم بعد متابعة الحراك الديمقراطي الأمريكي، تدير قنوات التلفزيون، فتشاهد الممارسات المثيرة للسخرية باسم الديمقراطية، التي تجري في عالمنا المنكوب، فهذا نائب برلماني يشتم خصمه، وذاك يصرخ بعنف، ناهيك عن الاعتداءات الجسدية بين أعضاء البرلمانات، وهذا يؤكد ما قلناه، وهوجمنا من أجله، وهو أن «الوعي» شرط ضرورة لقيام الديمقراطية، وما دون ذلك سينتج عنه ديمقراطية مشوهة، كما شاهدنا في البلدان التي مرت عليها ثورات الربيع العربي!