إن الاختلاف هو الأصل في الخليقة، فكل شيء يختلف عن الآخر، ولا يمكن أن يكون هناك تشابه تام، لذلك فإن فكرة النزوح إلى خلق تشابه بين البشر هو أمر في غاية الإضحاك. أقول إنه في غاية الإضحاك لأن خلق هذا التشابه هو أمر أشبه بالمستحيل، فالطبيعي جداً هو ذلك الاختلاف الذي بتنا نخشاه رغم أن المفترض هو خشيتنا من (التشابه) الذي لو حدث سوف يخلق حياة رتيبة مملة خالية من الإبداع.
لذلك أستغرب جداً الدعوات التي يتلقاها الكثير من المفكرين لعمل المناظرات الفكرية طلباً للوصول إلى الفكرة الصحيحة. رغم أن تلك الفكرة الصحيحة تظل محل الشك طالما أنها مسألة فكرية لا تتعلق بالثوابت وليست من رواسخ المعتقد، بل إنها في الغالب من الموروث الذي لطالما اعتقدنا به. كما أن تلك الحوارات غالباً تنتهي إلى اللا شيء. ولا تصل إلى نتيجة مرضية لكلا الطرفين بسبب أن الكل من الطرفين يحمل صورة ذهنية تاريخية ملطخة بالسوء عن الآخر، خاصة حين يكون طرفي الحوار يمثّلون أطيافاً أو فئات مجتمعية كالسنة والشيعة في منطقة الخليج، أو المسلمين والقبطيين في مصر.
وهذا ما يدعو للقول إن أي حوار بين أي فئات من المجتمع، سوف يفشل ما لم يراجع كل طرف الصورة الذهنية (النمطية) التاريخية عن الطرف الآخر. لأن مجرد الدخول إلى ساحة الحوار بتلك الصورة (الخاطئة) في الغالب، والمبالغ فيها بالكثير من المغالطات فإن ذلك سوف يؤدي إلى فشل الحوار قبل أن يبدأ. هذا لأن التاريخ الذهني غالباً ما يؤدي إلى ضلالة الاعتقاد في الآخر، وتلك الضلالة سوف تؤدي بالضرورة إلى عدم القبول بالطرف المختلف!
أمر آخر له أهمية بالغة في الحوار، وهو هدف الحوار، فإن كان ذلك الهدف قائماً على إقناع الطرف الآخر بالتنازل عن قناعته فقد باء الحوار بالفشل، لأن تلك القناعة هي نتاج الزخم الثقافي البيئي الاجتماعي التعليمي في البيئة التي عاش فيها الطرف المختلف عنا، ومن الصعوبة بمكان إزالة كل تلك (القناعات) في ذات حوار! فالعقل يحتله الأسبق إليه كما قال المفكر السعودي د. إبراهيم البليهي في كتابه (حصون التخلف). وإني أفترض الفشل لأي حوار قائم على أساس إقناع الطرف الآخر بالتنازل عن قناعته ومبادئه، فالحوار لابد أن يبنى على أساس تحقيق التقارب الفكري، وضرورة التشارك في أهداف الحياة الأسمى التي تندرج غالباً تحت غاية موحدة هي خدمة المجتمع!
وتاريخياً لم يحدث أن نجح حوار واحد بين أطراف مختلفة وأدى إلى اعتناق أحد الأطراف لمبادئ وقناعات الطرف الآخر، فلا الرأسماليين نجحوا بإقناع الاشتراكيين على المستوى السياسي الاجتماعي، ولا المذاهب الإسلامية نجحت في الانخراط في نموذج واحد، وهذا طبيعي جداً ولا ليس أمراً سلبياً. فالحياة زاخرة بالنماذج المتعددة، والأمر الطبيعي هو أن يتقبل كل نموذج الآخر حتى تقوم حينها الحوارات الناجحة في بناء تقارب فكري ثقافي وليس تشابهاً يؤدي إلى العيش في منظومة مملة لا تحفل بأي فكر أو إبداع.
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @