سهام القحطاني
بمقارنة بسيطة نجد أن نتيجة الثورة في اليمن تختلف عن مصر وتونس؛ أي برحيل الرئيس في نهاية المطاف؛ فمصر يوجد بها جيش قوي، و تونس بها معارضة ناضجة يستطيعان أن يغطيا غياب الرئيس.
أما اليمن فالجيش ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه لتغطية غياب الرئيس إضافة إلى العقيدة القبلية التي تنقسم إلى تحالفات متضادة، وغياب معارضة ناضجة ومتوازنة، وهذه الصورة كانت واضحة أمام دول الخليج العربي، التي وجدت أن إيجاد تسوية سياسية من خلال مبادرة أفضل حل على الأقل هذا ما كان لهم مستقر الرؤية في ذلك الوقت.
وتقوم المبادرة الخليجية على ثلاث نقاط وهي:
الأولى: تسليم مقاليد الأمور في يدّ الجهات التي ساندت ثورة فبراير.
الثانية: ضمان خروج آمن للرئيس علي عبدالله صالح، وتلك الحصانة هي التي جرّت الويلات فيما بعد على اليمن وعلى الخليجيين أنفسهم.
الثالثة: استبعاد الحوثيين من التسوية؛ رغبة منها في عدم «تكرار خطأ» المساهمة في نشأة «حزب الله» آخر في اليمن، و تفويت الفرصة على إيران لاصطياد الحوثيين واستثمارهم. وبنظرة متفحصة للمبادرة علينا أن نقف أمام نقطة.
هل كان يحق لدول الخليج أن تتدخل في الشؤون اليمنية وتحويل الثورة إلى أزمة سياسية.؟
إن خصائص طبيعة الحياة السياسية اليمنية هي التي حركت دول الخليج حتى تتدخل لإيجاد حل لتحافظ على مصلحتها أولاً و أخيراً وحتى لا تتفاجأ بنتيجة تتوصل لها الثورة اليمنية تتعارض مع مصالحها أو تهددها وحتى تقطع الطريق على إيران للدخول على خط الثورة، ثم تحقق مطالب شباب الثورة.
وكانت تعلم دول الخليج أن «اليمن هو علي صالح» و «علي صالح هو اليمن» وأي مبادرة تتعرض له أو تضره و تضر مصالحه سيقلب الطاولة على دول الخليج ويحرق المنطقة كما فعل فيما بعد، ولذا سعت تلك المبادرة إلى عدم «تأجيج غضب علي صالح» والمحافظة على مصالحه المالية وسلامته القانونية وضمان حصانة دائمة له ولأفراد أسرته.
لم ترغب دول الخليج في تكرر حزب الله آخر في اليمن لذا استبعدت الحوثيين وكان سبب ذلك الاستبعاد يعود إلى ثلاثة أمور:
الأمر الأول: العلاقة غير الطيبة بين الحوثيين وبعض القوى المعارِضة التي ساندت ثورة الشباب، ولذا فضلوا أن يكون الحوثيون بعيداً عن التسوية.
الأمر الثاني: نمط المعارضة الذي يمثله الحوثيون؛ أي «المعارضة المسلحة» مما يخلق بين طرفي التسوية في حالة ضم الحوثيين لتلك التسوية عدم توازن مما سيؤدي إلى صراع بينهما.
والأمر الثالث: قد يكمن في رغبة دول الخليج في توجيه صفعة لإيران المساندة للحوثيين انتقاماً منها على دس أنفهم في شؤون اليمن والخليجيين.
وبذلك وقعت الحركة الحوثية بين مخلبين، المخلب الإيراني الذي يريد إنباتها في اليمن لتظل شوكة في خاصرة جنوب عدوتها الأولى السعودية، و المخلب الخليجي الذي استبعد الحوثيين من المشاركة السياسية المباشرة انتقاماً من عدوتها الأولى في المنطقة لتدخلها في شؤونها وشؤون الخليجيين.
كان استبعاد الحوثيين من مسودة التوافق السياسي الجديد في اليمن بمثابة ضربة قاضية لهم على المستوى النفسي وليس الوجودي، وهو ما عزّز كره الحوثيين للخليجيين وخاصة السعودية التي تم إعداد تلك المبادرة في مطبخها السياسي، ولذا رفضوا المبادرة الخليجية جملة وتفصيلاً واعتبروها «مؤامرة خارجية».
لاشك أن ذلك الاستبعاد إن تم من خلال نجاح مسودة تلك التسوية يعني عودة الحركة الحوثية إلى المربع الأول، وهذه العودة الانهزامية لن تقبل بها إيران «عرّابة الحوثيين» ولن يقبل الحوثيون أنفسهم بها، لن يقبلوا أن يستبعدوا من السلطة بعدما أوشكوا الجلوس على عرشها. وبذلك كان عليهم إعادة ترتيب أوراقهم وأفكارها وفق المعطى الجديدة «المبادرة الخليجية».
ولذا فأول ما فعلوه هو «إعادة صياغة تحالفاتهم» ليصبح «عدو الأمس» «حليف اليوم والغد»، وهذه طبيعة السياسة ففي السياسة كما يقول تشرشل «ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة».
ليبدأ فصل جديد من قصة الحوثيين.