لا شيء يدعوها للنهوض من فراشها، لا المنبه الذي لم تغيّر توقيته منذ سنتين، ولا تسمعه غالبًا، ولا أصوات العصافير التي ترفع بمناقيرها ستارة الليل. كلما هبط الليل تبادر إلى ذهنها ثوب أمها في إحدى حفلات الزفاف، كان مخمليًا داكن الزرقة، مرصعًا بحبات خرز صغيرة فضية لامعة! تقلب وسائدها الطرية وتقاوم ألم العنق وخدر الأنامل اللذين ينبئانها بمقدم الصبح.
قد يقلق نومها وقع قطرات مياه على أرضية سميكة، سجادة مثلًا. لم تكن تمطر، ولم تعد تحتفظ بجوارها بأي قنينة ماء، تاركة كل مساحة الطاولة الجانبية لعلبة المناديل المزهرة ولشاحني هاتف. ربما كانت تلك القطرات تنسكب من شعر أمها القصير، لكنها تدرك أنها رحلت منذ تسعة أشهر!
كان نومها خفيفًا دومًا، فقد يوقظها صوت كيس ورقي تركته على الطاولة الليلة الفائتة، أو خطوات على السجادة الموبرة، أو صوت المكنسة الكهربائية القادم من منزل الجيران، أو حتى صوت المصعد.
تستلذ بلحظات الهدوء التي تعقب الفجر، حين يغرق البيت في العتمة النهارية التي تبدأ بارتفاع قرص الشمس الذي كانوا يشبهونها بها وهي بعد طفلة، لها شعيرات رقيقة وابتسامة عريضة تظهر ضرسين قد نبتا منذ أيام!
تبتعد عن النوافذ، فقد تخلت عن عادتها في مراقبة استيقاظ الشارع وحركة الطلاب في النزل المقابل للبناية التي كانت تسكنها منذ عام فقط. لا جدوى من الاقتراب من النافذة، فلا أحد يمشي في هذه الشوارع سوى قطط هزيلة عرجاء، ضالة لكنها لا تبحث عن مأوى، تريد فقط مكانًا مؤقتًا تقضي فيه نهارها القائظ لتستأنف رحلاتها ليلًا!
تأكدت مؤخرًا أن كل صباح هو قفزة إلى نقطة الصفر، إن كان ثمة نقطة! تحاول مصارعة الحياة التي تعيقها عن الحياة، تمضي بسرعة خاصة بها، 38 حصانًا /يوم، 38 صفحة/سا، 38 قبعة/ ليلة، حيلة أخرى تقضي بها على الوقت الذي يمتد ويجري مسرعًا، بأربعة أقدام!
بين لحظات الصحو والغفوة، تدرك أنها باتت وحيدة، وحيدة مثل كأس شاي مثلومة في مجلس عزاء تراقب المارة الذين ترتفع أيديهم بالسلام وتنكمش عن اختيارها لتكون رفيقة الجلسة المتحفزة، يفر رفاق العزاء وتنفضّ الجموع، وحدها تبقى هناك حاملة بقايا الشاي الثقيل الذي تخثر بفعل الوقت، وفي أسفلها تحجرت طبقة السكر ببلوراتها الكبيرة التي تصارع الذوبان، تنتظر يد العامل لتفرغها من السائل الداكن البارد، ولترمي الطبقة السكرية لتكون وجبة للنمل رفيقاته في سهرة الليلة!
«أدركها» انتصاف النهار، وبدأت دورة العدْو اليومية، مثل هامستر بدين عالق إلى الأبد في عجلة التمرين الخاصة به.
أيهم أكثر وحدة؟
«لقد ولدنا للشتات
للتأسف على سلالة تاهت
ما الذي فعلناه ببعضنا البعض
في كوكب متاح جدًا
للقيام بأمور أخرى..» نعومي شهاب ناي*
ترجمة/ أحمد العلي
... ... ...
- بثينة الإبراهيم