كان (القريض) المكوّن من حبّات الفول السوداني، وحبّات الحمّص والسيسبان، و(الحلاو) الملوّن من العيديات الإلزامية على كلّ بيت للأطفال. فكل بيت لابد أن يكون مستعدًا لطرق أيّ طفل لبابه من بعد صلاة العيد، والعيب، كلّ العيب لمن يقتل فرحة الأطفال (الحوامين) بدعواتهم المهجوزة: «عطونا عيدنا عادت عليكم جعل الفقر ما يجيكم»، كان الكل في زماننا يخصنا بأعطياته؛ طمعًا في تلك الدعوات البريئة التي يتباركون بها إذا خرجت من قلوب أحباب الله. حتى القاطنون بعيداً عن أهليهم، أو في مناطق أخرى كانوا يرسلون أعياد الأطفال قبل العيد بأيام كي لا تأتي متأخرة عن موسم الفرح، يبعثون بها في أكياس نايلون شفافة. ولأن اختيار محتويات الكيس غالبًا ما تكون بكمشة يد عشوائية من المهدين؛ كنّا ننظر للمحتوى على أنّه حظنا دون حسد، ونكتفي بقول: «حظك عندك الحلاوة هذي وأنا ما عندي»، ونذهب بدهشتنا الصغيرة للآخرين؛ لنخبرهم بغبطة عن حظ فلان العظيم. كنا نقولها بشفافية ووضوح، وطهر، نتحدث عن حظوظنا برضا عميق، لا تنازعه أية مشاعر سلبية. كنّا نستفتح العيد بتقبيل رؤوس الكبار، والسلام على جميع الضيوف مهما كثروا دون تذمر. أطفال اليوم لا يعرفون هذا الجمال الداخلي الذي كان يسكننا ونحن نُقدّر رمزيّة الهدايا المهداة لنا. لقد اعتادوا على قطع الشوكلا الفاخرة التي يحفظون أسماءها أكثر منّا. صارت عيدياتهم متكلفة، في أكياس متكلفة البنين لها شكل وشعار والبنات لها شكل وشعار، ولابد أن تُجمع بشكل جمالي محترف يتناسب مع المناسبة، وكل عيد له شكله الخاص طبعًا! وكل عائلة تضيف وسع حاجتها، وأحيانا فوق حاجتها من باب المباهاة. هذا غير المبالغ المالية الكبيرة، والألعاب، والمشروبات في زمان صار فيه الراتب لا يكفي الحاجة لكنه يكفي للبذخ والتباهي. عيديات اليوم ما عادت تملأ عيون أطفالنا الشرهة، التي وسّعناها على عوالم أخرى قد تصل إلى التهادي بالأجهزة الإلكترونية غالية الثمن. عيدياتنا البسيطة ما عادت تملأ عيونهم، لأننا بزيفنا عودناهم على السقوف العالية. في زماننا:كنا ندّخر الفائض من أكياس القريض إلى ما بعد العيد، كسعادات صغيرة تبهجنا. كانت عندنا ثقافة ألا نستهلك السعادة دفعة واحدة، فبعض السعادة تكون في الادّخار. في أوّل أيام العيد، سترى بعض وجوه أطفالنا المرفهين ممتعضة، مكشرة، لا تطيق السلام على الكبار، وستقرأ في تصرفاتهم مع العيديات ملامح جيل اتكالي عيم المسؤولية، سيحدث على مشهد منك رمي العيديات وكأنها نفايات، سيلقون بعيدياتهم البسيطة؛ لاستهلاك الفاخرة في نفس اللحظة، ثم الملل منها هي الأخرى، ورميها، ستسمع بعض أطفال اليوم وهم يُلحون (بدلع) على أمهاتهم لإعادتهم إلى المنزل، فهناك لهم عوالم خاصّة تنتظرهم! لهم أصدقاء إلكترونيون، وقصور، وممالك من وهم؛ يُخصّبون فيها ما تبقى من أخيلة مترفة عن طريق ألعاب (الأونلاين). العيد بين جيلين صار كهلا لا يجيد غير التأمل والتألم معًا! إنّه عيد التقاطع بين عالمين: العالم الذي لابد أن يُعاش، والخيال الذي يريدون أن يعيشوفيه. بعض سعادتهم السطحية، لا تلامس أعماقهم إلا بابتسامة عابرة، يجاملون بها أيدي الجدات وهن يقدمن لهم القريض المُطّعم بذاكرة الحنين في قلوبهن العامرة، العابرة عبر بوابات ضجرهم الصغير المكرور. من بين ذاكرة العيد بين جيلين أقول لكم ولي ولأطفالنا: كل عيد ونحن في قناعة.
- د. زكيّة بنت محمّد العتيبي