علي الخزيم
في الثالث من رمضان الماضي شاهد الرجل الطيب بعض العابرين وعمالة تشرب الماء من برادة مسجد الحي بوضع اكفّهَا لتلقّي الماء، وبعد العِشاء حين كفّت الارجل عن الشارع توجُه للمسجد يحمل اكواباً معدنية ذات مقابض وسلاسل خفيفة لربطها لئلا تتساقط على الأرض وللتيسير على المستفيدين العابرين، أراد أن يفعل خيراً بعيداً عن العيون كسباً لأفضل درجات الاجر، لكن تشاء العناية الإلهية ان يَمُرّ رجل بسيارته ويشاهده فيقف فجأة بجانبه ويسلم عليه، وذكّره بنفسه فتذكّره وبادله التحية بخير منها، فسأله عما يصنع بهذه الساعة من الليل، فحاول التنصّل من الإجابة غير أن الأكواب بيده تعني شيئاً يلزم شرحه للرجل العابر، فأوضح له غرضه منها، فدعا له الرجل بالخير، وأضاف بقوله: كما تعلم أنا رجل أعمال وأكسب خيراً بتوفيق الله، وإني قدمت للمحافظة اليوم لعمل وتناولت فطوري عند أحد جيرانكم، وحدثني بلطيف القول عن طيب تواصلكم بأهل الحي، واني بطريق عودتي للرياض فشاهدتك صدفة، والآن ما هي حاجتك، قُلْ ولا تخجل، ولا تتستر بعزة النفس؟ وبعد حوار قصير والحاح من رجل الأعمال صاحب اليد النَّديّة البيضاء، أفصح صاحب الاكواب انه مَدين بمبلغ من المال لشخص لكنه لن يقبل إلا بعد أن يتأكد فاعل الخير بنفسه، فاكتفى بأن طلب منه رقم حسابه البنكي وانصرف، وتمت نعمة ربك وقيل الحمد لله رب العالمين!
إليكم حكاية ثانية لإبراز القدوة الحسنة وللبرهان على أنه: (لا يضيع العُرف بين الله والناس)، فقد كنت ذات صباح رمضاني عند موظف بإحدى الدوائر الحكومية يُمْكن وصفه بأنه شاعر جَيّد، ومر حديثنا على حالة انسان معاق كان بحاجة إلى توفير عربة كهربائية، وأفادني بأنه قد تبرع بقيمتها له وتم توفيرها منذ أيام، وإذا برجل يدخل لمكتبه وفهمت من طريقة السلام أنه لا يعرفه وليس من الموظفين، وسلّمه مظروفاً وودعه وانصرف، فعندما فتحه والقى نظرة على محتواه؛ التفت إليّ مبتسماً بتعجب، وقال هذا من مجلة (كذا) سبق أن شاركت بها بعدة قصائد بطلب منهم، وهذا (شيك) بمكافأة لم انتظرها وهي تعادل ضعف قيمة عربة المعاق، فالله لا يضيع أجر المحسنين.
قصتان مؤكدتان، والقصص كثيرة لأن أهل الخير كثر ولله الحمد، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (30 فصلت)، فمن أسس التدين الاستقامة ومن مضامينها اقتران القول والمعتقد بالعمل، ومتى طبقنا القاعدة الشرعية سنرى مجتمعاً متكافلاً صالحاً نقياً، ولو بدأ كل منا بمن حوله من قرابة وعشيرة وجيران فسيكتفي المجتمع ولن تجد من يضطر للسرقة والاحتيال، ولن تجد يداً سُفْلى تمتد بداعي العوز، هكذا يجب أن يكون المجتمع المسلم، ومن المؤسف ان نشاهد ونسمع اخباراً وصوراً مناقضة لهذا تماماً بالعشر الأواخر من رمضان، فالخير والشر يتجاذبان الأفئدة {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} (29 الرعد).