د. عيد بن مسعود الجهني
المملكة حاضنة الحرمين الشريفين، يتطلع إليها أكثر من (1.5) بليون مسلم، وباعتبارها مركز الدين الإسلامي، فإنها تلعب دوراً رئيساً في نطاق السياسات الدولية والعربية، فبإمكانها أن تلعب دوراً مهماً يؤثر إيجاباً أو سلباً على صعيد العلاقات الدولية والتأثير في العالمين العربي والإسلامي والدولي.
والولايات المتحدة أكبر قوة اليوم على كوكبنا الأرضي تمثل حقيقة النظام الدولي الجديد.. وهي القوة العسكرية الفاعلة في ميزان القوى اليوم.. والقوة الاقتصادية الأكبر.. هي المحرك الأساسي للسياسة والعلاقات الدولية في هذا العصر الذي يموج بأزمات طاحنة وتهديدات ومشكلات عديدة تنتظر الحل.
ومن يدقق في خطوط الفكر السياسي الذي تنتهجه السياسة الخارجية الأمريكية لن يفوته أن المملكة العربية السعودية تحتل مركزاً متقدماً في أولويات هذه السياسة، منذ عام 1933 عندما قرر الملك عبد العزيز - رحمه الله - منح امتياز البترول السعودي لشركات النفط الأمريكية، عندما رأى أن السياسة الأمريكية تلتزم بمبدأ عدم التدخل في شئون الدول الأخرى، ومناصرتها لحرية الشعوب واستقلالها من خلال مبادئ ويلسون الأربعة عشر.
وقد كان اللقاء التاريخي بين الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي تيودور روزفلت في 14 فبراير 1945 على ظهر الطراد (كوينسي) في البحيرات المرة عند مدخل قناة السويس، وقد قال الرئيس روزفلت بعد الاجتماع (إن ما عرفته عن فلسطين والشرق الأدنى في محادثاتي مع ابن سعود أكثر مما عرفته من تبادل عشرات الرسائل)، وأردف روزفلت قائلاً (بين جميع الأشخاص الذين تحدثت معهم في حياتي ما وجدت واحداً حصلت منه مثل ما حصلت من هذا الملك العربي).
ومع تعاظم المد الشيوعي واكتشاف المزيد من حقول النفط في الخليج العربي، كان لزاماً على الولايات المتحدة أن تحدد سياستها تجاه الشرق الأوسط، فأصدر الرئيس أيزنهاور في يناير عام 1957 ما عرف بـ(عقيدة أيزنهاور) تتضمن المبادئ الرئيسة التي تقوم عليها سياسة الولايات المتحدة التي قدمها إلى الكونجرس، حيث تحدث عن الخطر الشيوعي وأطماع الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط.
وحدد أيزنهاور العناصر الرئيسة التي تقوم عليها وثيقته من بينها: زيادة حجم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لدول منطقة الشرق الأوسط لكي تتمكن من مجابهة محاولات سيطرة الشيوعية العالمية عليها - منح سلطات واسعة لاستخدام القوات الأمريكية من أجل ضمان وحماية سيادة واستقلال كل دولة من دول المنطقة تطلب العون إذا ما وقع عليها عدوان مسلح من أية دولة خاضعة للشيوعية.
وقد تعاقبت الإدارات الأمريكية وتولى رئاسة الولايات المتحدة رؤساء من الحزب الجمهوري وآخرون من الحزب الديمقراطي، فبعد أيزنهاور الجمهوري جاء كيندي الديمقراطي ثم جونسون الديمقراطي ثم نيكسون وفورد الجمهوريان، ثم كارتر الديمقراطي ثم ريغان الجمهوري لفترتين ثم بوش الأب وهو جمهوري أيضاً، وكلنتون الديمقراطي لفترتين وبوش الابن الجمهوري لفترتين والسيد أوباما الديمقراطي لفترتين، ولم تتغير المبادئ الرئيسة إلى حد كبير للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، واستمرت الشراكة السعودية - الأمريكية مجتازة اختبارات صعبة إقليمية ودولية مثل حربي 1967 و 1973م.
وقد تنامت اهتمامات الولايات المتحدة بدول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة عندما اجتاح الروس أفغانستان. وبعد انهيار نظام الشاه وقيام الثورة الإيرانية وتهديدها بتصدير الثورة إلى دول المنطقة، وما تلى ذلك من نشوب الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980م، وهذا جعل العلاقات الخليجية - الأمريكية تزداد وثوقاً وارتباطاً.
وقد أعد الرئيس كارتر إستراتيجية جديدة في عام 1980 بما عرف (بمبدأ كارتر)، في ضوء تلك المتغيرات عززت تلك الإستراتيجية دور دول المجلس، معتبراً أن أي محاولة من قبل قوة خارجية للسيطرة على الخليج سوف تعتبر اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة، مقرراً زيادة حجم الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وأن أي اعتداء سيردع بأي وسيلة بما فيها القوة العسكرية، ورأت إدارة كارتر ضرورة الاستعداد للتدخل العسكري المباشر في الخليج إذا نشأت الحاجة لذلك، فتم إنشاء قوات التدخل السريع لمواجهة أي عدوان عسكري طارئ.
وفي عام 1990 أصبحت العلاقات الخليجية - الأمريكية أكثر ترابطاً عندما غزا العراق في الثاني من أغسطس 1990 الكويت فتعززت العلاقات في عهد الرئيس بوش الأب فاستقبلت المملكة بقرار تاريخي أنقذ المنطقة من خطر كبير أكثر من 500 ألف جندي أمريكي، وانطلقت حرب التحرير من على أراضيها لقمع العدوان العراقي.
إذاً العلاقات الخليجية - الأمريكية.. كانت في بداياتها هي علاقة نفطية تطورت لتصبح علاقة مصالح واسعة وعلاقة إستراتيجية نظمت تحالفاً بينهما نسجها تاريخ تطور علاقاتهما، لكن بعد أن غابت شمس الحرب الباردة وتحررت الكويت فقد شكت المملكة - وأمريكا تحالفاً قوياً لتحرير الكويت الشقيق فقد بدأ الأمريكيون يغيرون من إستراتيجية وجودهم في المنطقة، فبعد أن كانت سياستهم قبل التسعينيات تتركز على أمن النفط ودعم الأوضاع والنظم السياسية القائمة، بدؤوا في ترسيخ وجودهم عسكرياً.
وأخذاً بقاعدة تأكيد النفوذ الأمريكي الإستراتيجي في هذه المنطقة التي تختزن حوالي 60 في المئة من الاحتياطي النفط العالمي نهجت الإدارة الأمريكية خاصة في عهد الرئيس كلينتون والرئيس جورج دبليو بوش والرئيس أوباما أسلوباً جديداً في سياستها الخارجية في الخليج العربي يقوم على مد جسور العلاقات بشكل أوثق مع دول أخرى في المنطقة وفي مقدمتها إيران.
وإذا سلمنا بأن النفط يعتبر أهم سلعة إستراتيجية في القرن المنصرم وهذا القرن، وأن الدول الصناعية دون استثناء مستورد شبه ثابت لاحتياجاتها من النفط، وأن احتياطي أمريكا من النفط الأحفوري ينخفض بشكل مستمر، رغم غناها بالبترول الصخري، إلا أن العالم مهيأ لخوض صراعات لتأمين الحصول على النفط لأدركنا أهمية النفط في العلاقات الخليجية - الأمريكية على المدى القريب والبعيد رغم محاولات أمريكا تخفيض وارداتها من النفط، وحتى في أكثر الافتراضات تفاؤلاً، ورغم تبنى سياسات تشجع زيادة إنتاج النفط المحلي التقليدي والصخري وتخفيف الاستهلاك فسوف تستمر الولايات المتحدة في زيادة استيرادها للنفط.
إذاً الولايات المتحدة يهمها توطيد وتوثيق علاقات الصداقة مع دول المجلس التي تسيطر على أكبر نسبة احتياطي عالمي وتلعب دوراً بارزاً في استقرار سوق النفط الدولية، فهي (أمريكا) تحتاج النفط الخليجي ليس لها فقط بل لمواجهة احتياجات حلفائها الرسميين في أوربا وآسيا.. وتحقيق الاستقرار الاقتصادي للسوق العالمية.
هذه المنطقة منطقة الخليج العربي التي تمثل الإستراتيجية والنفط وهما أهم عناصر مؤثرة في العصر الحديث، فبالأمس كان اهتمام الدول الكبرى في منطقة الخليج العربي بسبب الإستراتيجية واليوم برز النفط صاحب القوة والنفوذ، أغلى وأهم سلعة في التاريخ الحديث.
ولأن دول المجلس وعلى رأسها المملكة يهمها أمن واستقرار المنطقة لرفاهها والعالم أجمع فقد استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في قصره بالرياض بتاريخ 20-4-2016م الرئيس باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الذي وصل إلى المملكة في زيارة رسمية ليلتقي بخادم الحرمين الشريفين وحضور القمة بين دول المجلس وأمريكا، وقد ناقش الملك سلمان والرئيس أوباما العلاقات الثنائية بين البلدين وتطورات الأوضاع في الشرق الأوسط والجهود الدولية تجاهها ومن بينها التصدي للإرهاب.
ثم رأس خادم الحرمين الشريفين قمة دول المجلس والمغرب بتاريخ 20-4-2016م وقد أكد البيان الختامي للقمة التي شكلت مناسبة مهمة لتقرير الشراكة الإستراتيجية بين مجلس التعاون والمملكة المغربية، وأن ما يمس أمن واستقرار إحداهما يمس أمن الدول الأخرى، ولأن ملف الصحراء المغربية شهد تطورات خطيرة مؤخراً فقد أكد قادة دول المجلس أن قضية الصحراء الغربية تعد قضية دول المجلس، رافضين أي محاولة تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار أو نشر نزعة الانفصال والتفرقة لإعادة رسم خريطة الدول أو تقسيمها بما يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، مساندين مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب للصحراء.
وإدراكاً من هذه القمة التاريخية للتحديات التي تواجه المنطقة العربية خاصة في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن التي تشهد تطورات وتهديدات أمنية وسياسية خطيرة وكلها تنتظر الحل، لذا فقد أكدت القمة على تضافر الجهود لمواجهة تلك التحديات الجسام بكل حزم ومسئولية.
ولا شك أن القمة الخليجية - الأمريكية التي انعقدت بتاريخ 21-4-2016م وجاء انعقادها بعد قمة كامب ديفيد في العام الماضي التي تلت توصل أمريكا وأوربا إلى اتفاق مع إيران بشأن الملف النووي، هذه القمة الأخيرة في العاصمة الرياض ركزت على التعاون الإستراتيجي بين دول المجلس والولايات المتحدة أكبر دول العالم قوة عسكرية واقتصاداً واسعاً، وترتبط مع دول المجلس وعلى رأسها المملكة بعلاقات تاريخية لعقود طويلة شملت التعاون الاقتصادي والنفطي والاستثماري والتجاري والعسكري.
قمة دول المجلس الذي تأسس عام 1981 تدرك حجم التهديدات التي تواجه المنطقة برمتها والتي تأخذ طابع الخطورة والتي بعضها ينبع من المنطقة نفسها، وهذا يضفي على المنطقة طابع الحساسية والأهمية ويؤثر تأثيراً مباشراً على استقرارها السياسي وأمنها القومي، وأحد أهم تلك التهديدات هو التهديد الإيراني الذي بدأ منذ ثورة الخميني عام 1979م تدخلاته في الشئون الداخلية لدول الجوار، وإذا كان تصديره للثورة، قد فشل فشلاً ذريعاً وتكسر على صخرة، فهم العرب عامة وأهل الخليج العربي خاصة لنواياه الخبيثة، فإن تدخلاتها المنافية للقانون الدولي والشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة تزداد عاماً بعد آخر خاصة بعد خضوع نظام الملالي (جبراً) لإرادة المجتمع الدولي ووقع اتفاق طي ملفه النووي.
لكن هذا الاتفاق (الناقص) قرب العلاقة الأمريكية - الإيرانية بشكل غير مسبوق وفتح الباب مشرعاً لطهران للتدخلات السافرة في شئوننا الداخلية، فالجزر الإماراتية تحت الاحتلال الإيراني والتدخل في شئون مملكة البحرين مستمر، وفي العراق أصبح لإيران القدح المعلى بمباركة أمريكية، أما بلاد الشام ولبنان فالأذرع الإيرانية تدعمها روسيا وشيعة العراق وأفغانستان وباكستان مستمرة ودخلت الحرب الضروس في سوريا عامها السادس، وفي اليمن احتضن قادة إيران علي صالح والحوثيين ليشنوا حرباً لا هوادة فيها ضد الشعب اليمني الذي استنجد بخادم الحرمين الشريفين فلبى النداء وقادت المملكة تحالفا عربياً ليعيد الأمل إلى اليمن وشعبه.
ورغم انعقاد القمة الأمريكية - الخليجية ومع ذلك فإن مناخ العلاقات تعرض لبعض التقلبات تمثلت في اختلاف وجهات النظر بين دول المجلس بقيادة المملكة في بعض القضايا الإقليمية ذات التأثير الخطير على سير هذه العلاقات، أبرز هذه القضايا القضية الفلسطينية، إذ تقف أمريكا مع إسرائيل على طول الخط ضد المصالح العربية.
ولا شك أن علاقات التعاون والصداقة مع أمريكا لا تعنى التماثل لأن التماثل لا يتجاوز في الغالب تطابقاً في المصالح وليس تماثلاً في كل التفاصيل والأحداث والتوجهات، وإذا أردنا الشراكة الخليجية - الأمريكية لتصبح شراكة صداقة وتعاون مثمرة فإنها تحتاج من وقت إلى آخر إلى التشاور والتباحث وتبادل وجهات النظر ودعم الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي خاصة، والشرق الأوسط عامة لضمان الهدوء في العالم أجمع، تحتاج إلى دعم العلاقات الثنائية وتقييم الأوضاع من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والإستراتيجية والطاقة ومستقبلها، تحتاج إلى تثمين دقيق من حين لآخر يحقق المصالح المشتركة ويدعم الصداقة القائمة والتعاون المستمر بين دول المجلس وأمريكا.. تحتاج هذه العلاقات إلى التركيز على دعم المصالح المتبادلة والقضايا العربية والإسلامية والدولية.
وهناك قاسم مشترك بين دول المجلس وأمريكا هو محاربة الإرهاب، هذا الخطر الداهم، فمحاربة الإرهاب عند أمريكا أصبح من أولويات سياستها الخارجية في هذه الحقبة من التاريخ، وعند المملكة ودول المجلس هو أيضاً في مقدمة إستراتيجيتها في سياستها الخارجية والداخلية، ولا بد من التعاون الوثيق بينهما من تبادل للمعلومات وتجفيف لمنابع تمويله ووضع الخطط والإستراتيجيات لمحاربته دعماً للمصالح المشتركة، وهو تعاون لا يقل أهمية عن تعاونها في الميدان النفطي والعسكري والاقتصادي والتجاري والثقافي.. إلخ، بل هو مؤثر ومنتج لتنشيط كافة مجالات التعاون بين أمريكا ودول المجلس.
وما يحدث في هذا الزمان من إرهاب لا يمت إلى الإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، فالإرهاب لا وطن له ولا دين ولا يعرف الحدود، فالجماعات الإرهابية موجودة في كل مكان، فهي موجودة في أوروبا التي عانت من عصابات المافيا والألوية الحمراء، كما في أميركا، ولا يكاد يخلو منها بلد، وقد أعيت محاربة الإرهاب الدول مثلما أعيتها محاربة المخدرات، بل إن الظاهرتين - الإرهاب والمخدرات - تزدادان انتشاراً واستفحالاً عاماً بعد عام.
وإذا كان الإرهاب عادة يلصق بالأفراد والجماعات الصغيرة والمنظمات، فإن هناك إرهاباً لا يقل خطراً ولا أثراً عن إرهاب الأفراد والمنظمات وهو إرهاب الدول، فماذا يسمى احتلال دولة لدولة وقهر شعبها إن لم نسمه إرهاباً، فاحتلال الدول بالقوة (المعراة) إنما هو عين الإرهاب، ولذا فإن الدولة العبرية هي دولة إرهاب مئة في المئة، فهي تحتل فلسطين منذ عام 1948، وأُلحقت بها القدس وأراض عربية أخرى عام 1967. وقبل أيام أعلن المجرم نتنياهو بعد أن عقد مجلس وزرائه بالجولان أنها أراضي إسرائيلية، وقامت إسرائيل على أرض العرب لتصبح أول دولة في التاريخ الإنساني تؤسس على أرض غير أراضيها وبدعم صارخ من بريطانيا صاحبة وعد بلفور اللعين عام 1917 ومن الولايات المتحدة التي دعمت اليهود دعماً لا حدود له حتى تأسست إسرائيل عام 1948 وامتداداً لهذا الدعم كانت من أوائل الدول التي اعترفت بها.
ولا شك أن طهران التي أهدت لها أمريكا العراق كما أهدت بريطانيا فلسطين لليهود، هي دولة إرهابية معنى ومضموناً، فهي التي تدعم حزب الله الإرهابي وطاغية سوريا وعلي صالح والحوثيين في اليمن وتعوث في الأرض فساداً في العراق، وهي ممول رئيس لمنظمات إرهابية عدة في بلاد الشام والعراق ولبنان واليمن وفي كل الدول العربية.
وإذا كان الرئيس الأمريكي أوباما قد صرح في ختام القمة الخليجية - الأمريكية في الرياض قائلاً (وفيما يختص بالشأن الإيراني نحن الآن قطعنا جميع السبل على إيران في سعيها للحصول على الأسلحة النووية، حتى في هذا الاتفاق النووي، وما زال لدينا بعض الشكوك المتحفظة تجاه التصرفات الإيرانية خاصة فيما يتعلق بقذائفها العابرة للقارات، وبحسب ما توصلنا إليه في قمة كامب ديفد من العام الماضي وحتى الآن فليس هناك أي دولة لها مصلحة في الدخول في نزاع أو صراع مع إيران).
فإننا نأخذ ذلك على محمل الجد من رئيس أعظم دولة في العالم سيغادر البيت الأبيض بعد شهور رغم أنه لم يشر من بعيد أو قريب عن تدخلات طهران في الشئون الداخلية لدول الجوار ودعمها للإرهاب، والإدارة التي ستخلفه لا بد أن تدرك أهمية علاقتها بدول المجلس لتصبح علاقات متميزة تفرض الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي الذي به رئة العالم النفطية ومتنفسه الإستراتيجي.
وعلى كل فإن دول المجلس يقع على عاتقها حماية مصالحها الحيوية، فهي تعي العبر والدروس وتتلمس جوانب الحيطة والحذر الشديدين وتمضي قدماً في إعداد واستعداد وتهيئة قواتها للتصدي لأي تهديد في الحاضر والمستقبل خاصة في منطقتنا التي هي على برميل بارود مزروع في المنطقة ويمكن أن يشتعل عندما تحين ساعة الصفر.
وليأخذ العرب عبراً ودروساً من الموقف الأمريكي في سوريا، فأوباما نفسه أعلن مراراً وتكراراً أن استعمال الأسلحة المحرمة دولياً هو خط أحمر، وقد تجاوز النظام السوري والإيراني بدعم روسي كل الخطوط الحمر وعدل السيد أوباما عن رأيه، واستغل بوتن هذا التردد ومال على الشعب السوري بقوته الضاربة بحراً وجواً وأرضاً.
وليتذكر العرب يوماً أن تصريح أوباما (الشديد) بأنه قطع على إيران التحول إلى قوة نووية، وتطوير الصواريخ البالستية طويلة المدى ما هو إلا مثله مثل إعلانه من جامعة القاهرة ثم من جاكرتا بأن عهده سيشهد قيام الدولة الفلسطينية، وذهبت وعوده مع السراب لتلحق بوعود زميله بوش الابن.
القانون الدولي.. قاعدتاه.. القوة والمصلحة.. وكل دولة تبحث عن حماية مصالحها.. وإذا كان اليوم لأمريكا معنا مصلحة فقد تصبح غداً مصلحتها مع دولة أو دول أخرى.
ولا توجد سياسة وعلاقات دولية لا تحتوي بين طياتها على المصلحة.. وعلى القوة التي هي شرط ضروري من شروط الوجود للدول والمجتمعات، وإذا فقدت الدول القوة فقدت استقلالها وكرامتها بل وهيبتها.
النفط والأرض والسيادة والأمم تحمي بمقدار القوة في متناول الدولة. الجنرال ديغول يقول: (إن سلام القوة هو الأنجح في حل المشكلات).
علينا أن نضع في اعتبارنا جميع الاحتمالات خاصة الأسوأ منها واستيعاب العبر والدروس والعمل على بناء القوة، فهي سيف ماض.. تردع الطامعين وتضمن معاني البقاء والتماسك الاجتماعي وحماية المصالح والقيم والحدود والسيادة.
لا بد أن نتذكر أن العلاقات مع دولة كبرى كالولايات المتحدة وغيرها لا يمكن أن تسير على وتيرة واحدة بل إنها ستختلف حسب الظروف والمصالح.
لكن في كل الأحوال هناك شعرة معاوية المشهورة التي تشد وترخى، فهي تحتاج إلى المراجعة الدورية بين حين وآخر، من هذا المنطلق فإن بقاء جسور تهدف إلى دعم علاقات صداقة متينة مع أمريكا وغيرها يعد نقطة ارتكاز إستراتيجية تخدم المصالح الخليجية في الميدان السياسي والاقتصادي والأمني والإستراتيجي.
والله ولي التوفيق