م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
يعمل في الوزارات المختلفة أكثر من 6000 مهندس سعودي يتركزون في وزارات مثل الشؤون البلدية والقروية والنقل ولكن هذا العدد رغم قلتهم وعدم تغطيتهم لهذه المشاريع فإنهم يخضعون لإغراء التوجه للقطاع الخاص الذي يتمتع بميزات عالية وخاصة الراتب الذي يصل في أقل حالاته إلى ضعف راتب القطاع الحكومي وهذا القطاع يستمد تمويله ومشاريعه من الميزانية العامة للدولة التي تحتاج إلى متابعة دقيقة لإنفاقها في أوجهها المناسبة والتي أقرت بناء عليها ومن الصعوبة الاعتماد على العنصر الأجنبي في ذلك فكل دولة كانت متقدمة أو متخلفة تعتمد عل أبنائها في الإشراف على إنفاقها المالي.
لنفترض أن وعاءً يتسرب منه الماء ببطء بسبب وجود (ثقب) صغير فيه سنلاحظ أن هذا الماء سيفرغ بعد مدة على الرغم من أننا لا نرى ظاهرياً نقصان الماء وتغير منسوبه أثناء نظرنا إليه أثناء (التسرُّب)...
عند الحديث عن «المهندسين» يتبادر إلى الذهن تلك المشاريع الضخمة التي يشرفون على تنفيذها، فمهنة المهندس تختلف من بلد لآخر، ففي البلدان المتقدمة مهمته تصميم الآلات والمعدات والطائرات وغيرها... وفي البلدان النفطية ذات الدخل المرتفع التي تسعى إلى رفاهية شعوبها فإن مهمتهم (إدارة أموال الدولة) وأعني ما أقول تماماً، فالمشاريع الحكومية التي ينفق عليها سنوياً أكثر من 200 مليار هي تحت إشراف ومتابعة المهندس السعودي ومن الصعب تركها لإدارة أيد أجنبية تعمل فترة المشروع ثم تغادر بل لا بد من بناء وتأسيس قطاع هندسي سعودي للإشراف على هذه المشاريع وتشغيلها خاصة ونحن مقبلون على مشاريع ضخمة جداً لا تقتصر على التنفيذ فقط بل والصيانة والتشغيل مثل مشاريع سككك الحديد ومحطات القطارات والمترو وبالتالي فإن إشباع الحاجات الأساسية للمهندس السعودي هو تحسين لإدارة هذه الأموال وتعظيم الفائدة منها فإذا كنا سننفذ بهذه الـ 200 مليار أو 500 مشروع ما بين مباني جامعات ومستشفيات ومطارات وموانئ وطرق وكباري ومدارس فيمكن أن ننفذ أكثر من 600 مشروع إذا تمت إدارة هذه المشاريع بشكل مهني وفني وتقني محكم، إضافة إلى ذلك ضرورة إحكام (ضبط الجودة) أثناء تنفيذ هذه المشاريع لأننا ومع الأسف الشديد نلاحظ أن كثيراً من مشاريع البنية التحتية التي تم بناؤها في سني (الطفرة) بدأت تنهار تدريجياً وتلتهم أموالاً طائلة لصيانتها وذلك بسبب الشح الذي واجهته عملية (الإشراف الهندسي الفني) على هذه المشاريع وعدم إعطاء الثقة للمهندس السعودي لإدارتها وعدم إعطائه الحوافز المشجعة له مقابل الأجنبي الذي كان يتقاضى مرتبات ضخمة ويعطي كامل الصلاحيات للإشراف على هذه المشاريع، ولا نريد أن نكرَّر هذا (الشح) وهذا (الخطأ) مرة أخرى فنحن نمر حالياً في طفرة ثانية وهي مرحلة بناء بنية تحتية ضخمة من الجامعات التي ستبنى في كل منطقة من مناطق المملكة ومشاريع تطوير المطارات ومشاريع الطرق والكباري والسكك الحديدية فهي مشاريع أضخم وأكبر مشاريع مرَّت على تاريخ المملكة ولا بد من بناء الإنسان الذي يدير ويشرف على هذه المشاريع، ولا بد من (توطين) مهنة الهندسة ومهنة الإشراف الفني على هذه البنية التحتية وعملية تشغيلها وصيانتها ولا يعنى خفض الإنفاق على المشاريع كما حصل في هذه السنة المالية 1437-1438هـ والذي حدث بسبب انخفاض أسعار النفط انخفاض الإنفاق على المشاريع ولكن الحاجةللمهندس السعود ي ازدادت لأنه كما هو معروف أن دورة حياة المشروع تبدأ بالتخطيط ثم التنفيذ ثم التشغيل والصيانة والمرحلة الأخيرة هي أكثر مراحل المشروع تكلفة نظراً لأنها الأطول والأكثر حاجة للمختصين المدربين وخاصة المهندسين وليس للوطن أفضل من أبنائه، وليس للبلاد غير أهلها فهم أدرى بها ومن الصعوبة بمكان الاعتماد على العنصر غير الوطني فهو في أقل أحواله لا يعتبر نفسه مسؤولاً عن المشروع ولن يفرض على نفسه أي مسؤولية اجتماعية حيث سيغادر مع نهاية المشروع إلى وطنه حتى وإن كان خبيراً كبيراً يتنبع لمكتب استشارات هندسية فليس الخبر كالمعاينة وليس من رأى كمن سمع.
فالميزانية السنوية للمشاريع الحكومية فقط تبلغ أكثر من 200 مليار سنوياً وقد تزيد في بعض الأعوام كثيراً عن هذا الرقم ويغطي هذه المشاريع 6000 مهندس وطني فقط، وأكثر القطاعات التي تضم المهندسين السعوديين وزارة الشؤون البلدية والقروية وذلك بسبب أن خدماتها هي خدمات فنية هندسية في أكثرها فهي التي تقوم باعتماد وتخطيط المدن وشوارعها وطرقها، وهي التي تقوم بسفلتة الطرق وإنارتها ورصفها، ومتابعة تنفيذ الخدمات المختلفة للمدينة كالمياه والصرف الصحي والهاتف والكهرباء على الرغم من أنها تتبع لجهات مختلفة، وهي التي تقوم بالإشراف على البناء المعماري للمدينة وتحافظ على هويتها المعمارية، ولا بد من أن تتولى هذه الوزارة زمام المبادرة لتوطين مهنة الهندسة بها من مهندسين معماريين ومدنيين، وأن يصبح قطاعها جاذباً للمهندسين والمعماريين السعوديين، فما دام أن المهندسين لا تربطهم جهة واحدة تتبنى تحفيزهم وتوطينهم بوطنهم وجذبهم إلى قطاع الهندسة وتطوير قدراتهم حين أنهم مشتتون بين الوزارات ولا يجتمعون في وزارة واحدة، كالمعلمين الذين تجمعهم وزارة التعليم، والأطباء الذين تجمعهم وزارة الصحة، والقضاة الذين تجمعهم وزارة العدل، فما دام أن كل وزارة لها محفزاتها ولها أنظمتها التي تجذب بواسطتها الفئات المتخصصة للعمل بها والإنتاج الفني والإبداعي فعلى كل وزارة أن تتولى وضع الحوافز التشجيعية للإبداع والابتكار للمهندسين الوطنيين لديها وأن تقوم (بتعليق الجرس) بدلاً من أن تنتظر كل وزارة تعليقه فسلم رواتب المهندسين ظل هدفاً ضلَّ طريقه بين (الهيئات) والوزارات فكل وزارة تلقي به إلى وزارة أخرى، ولم تتبناه أي وزارة يعمل بها المهندسون فلم يطلب الماء شاربه، وإنما طلبه آخر لشخص آخر...
فأصبح المهندسون كلهم وكأنهم يجرون خلف سراب يحسبونه ماءً وما هو بماءٍ... لقد أصبح (تسرَّب المهندسين) من العمل الحكومي ظاهرة معروفة وخاصة في الأمانات والبلديات وهم يتسربون إلى القطاعات الحكومية الأكثر تحفيزاً لمهندسيها فمهندسو البلديات ينتقلون بأعداد كبيرة إلى وزارة البيئة و المياه والزراعة وخاصة المديريات العامة للمياه في المناطق ولم يحدث أبداً العكس أي أن ينتقل مهندس من مديرية المياه إلى الأمانة والسبب واضح وهو وجود محفزات مادية ومعنوية أعلى في هذه الوزارة للمهندسين مع أن كل الوزارتين خاضعتين لنظام الخدمة المدنية فلن يحتج محتج ويقول إن نظام الخدمة المدنية هو نظام واحد في مختلف الوزارات ولكن النظام ترك مجالاً للتحفيز لم تقم كثير من الوزارات بتطبيقه.
إن هذه (الظاهرة) تتعدَّى إلى التسرب إلى القطاع الخاص، فما إن يتوظف (المهندس) بأي دائرة حكومية وخاصة (الأمانات) حتى يتوجه إلى القطاع الخاص وخاصة شركات المقاولات، والمكاتب الهندسية، ولم يحدث أبداً العكس عدا حالات نادرة وهو أن يتنقل (المهندس) من القطاع الخاص إلى (القطاع الحكومي).
وهذه (الظاهرة) تعود إلى عدد من الأسباب من أهمها:-
1- حين يتجه المهندس إلى القطاع الحكومي، قد يجد وظيفة بمسمى (مهندس) هذا إذا وجد هذه الوظيفة ولكن العمل الحقيقي له هو عمل إداري بحت مثل كتابة الخطابات والمحاماة أمام المستفيدين من الخدمات والذين يدعون الإضرار بهم في حالة تنفيذ الخدمات أو عدم تنفيذها بعيداً عن العمل الهندسي الفني الذي يحاكي دراسته الجامعية في (كلية الهندسة) وغالباً ما يُصدم المهندس الطموح بمثل هذا الوضع وخاصة في الأمانات والبلديات التي استمرأت العمل العشوائي غير المنظم.
فالمهندس حين تخرجه من كليته يضع في نفسه صورة علمية هندسية بأنه يقوم بأعمال التصاميم والإشراف على المشروع التنموي الذي يجد أنه مسؤول فقط عن (محاضرة) و(اجتماعاته) فهو كمن يبدأ بقراءة الموضوع من وسطه ولا يعرف ما هو أوله وما هي نهايته والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم وجود عمل (بلدي) أو هندسي مؤسسي ومنظم فهياكل الإدارات الهندسية تخلط خلطاً عجيباً بين الدراسات والتصاميم والإشراف والاستلام والمتابعة فيضيع المهندس بين هذه المسؤوليات ولا يعرف أي منها هو المسؤول عنه وقد يحمل نفسه ما لا يطيق، وقد يترك الحبل على الغارب وبالتالي يصيح هذا المهندس مشتت التفكير ولا يعرف من أين يمسك العصا مما يجعله إما إن يساير هذه (الفوضى الإدارية) وبالتالي ينتج عملاً عشوائياً يزيد من الهدر الاقتصادي (المستتر) بدلاً من ترشيد الإنفاق المالي أو أن يصاب بالإحباط ويتجه إلى عمل منظم وخاصة في القطاع الخاص (الشركات) التي تعمل حسب هياكل وظيفية ومسؤوليات محددة حيث إن هذه الشركات تحرص على الاقتصاد وتنظيم الدخل والأرباح، وهي تعلم أن تشتت الهيكل الوظيفي معناه ضياع الأموال وهدرها دون طائل، ولو حسبنا تكاليف هذا (الهدر الهندسي) بسبب تشتت الهيكل الوظيفي لعرفنا أن ذلك يكلف مئات الملايين من الريالات، ولعرفنا سبب تعثر كثير من المشاريع، وتأخر الأغلب منها، وفي الأغلب فإن لدى المهندس الوطني طموح (لتحقيق ذاته) من خلال الإشراف المباشر على المشروع وإثبات قدرته على الإبداع والتجديد ولكن غالباً ما يحبط مثل هذا الطموح بما يلي:
أ- البيروقراطية الإدارية والمركزية التي تعتمد على الخطابات المملة والاستئذانات وغير ذلك.
ب- أن يتولى الإشراف على المهندسين في هذا القطاع أو ذاك أحد المدراء (الانتهازيين) الذي ينتهزون الفرص للتقرب من مدير الدائرة لمصالح شخصية أو ذاتية صرفة بعيداً عن الهدف السامي وهو إنجاز المشاريع والأعمال الفنية، وغالباً ما يلجأ هؤلاء المدراء سواء كانوا مهندسين أو غيرهم، وغالباً هم من (أنصاف المهندسين) الذين يظهرون أمام المدير الأعلى للدائرة بأنهم أصحاب خبرات عملية وفنية وهم عكس ذلك إلى الوشاية وتشويه صورة أي موظف أو (مهندس) يحاول التطوير والإبداع، وذلك لأن التطوير والإبداع يكشفهم على حقيقتهم ويُعرِّي أساليبهم الإدارية التي تعتمد على المركزية والروتين القاتل، وهذا الأسلوب هو غالباً ما تتبعه الدوائر الحكومية ومدرائها وغالباً ما يحصل مثل هؤلاء على التأييد والإشادة من الرئيس الأعلى للدائرة وذلك بسبب اعتماده غالباً على الرأي الشفهي واللَّغوي الذي يخالفه (الرأي الاجتماعي) بعيداً عن الرأي الفني والهندسي والإبداعي، وذلك أن العمل المؤسسي الحكومي يعتمد غالباً على الرأي البيروقراطي الروتيني الذي يقيد المسؤول الأعلى عن أي مبادرات يعتقد أنها (مخالفة للأنظمة) أو توجسه خيفةً من أي ثغرة قد تصبح مجالاً للفساد الإداري وهذا التوجس والخيفة عطَّل كثيراً من الأفكار النيرة والمبدعة التي تحاول إظهار أفكار جديدة، وهذا الروتين القاتل قتل روح المبادرة ومحاولة (تحقيق الذات) لدى كثير من المهندسين فأصبح هناك خللاً في (هرم ماسلو) الذي في قمته دائماً (تحقيق الذات) من خلال (تحقيق الأمان) والأمان هنا هو الأمان الوظيفي وأن لا يكون (المهندس) مهدداً بالطمس والتهميش الإداري بسبب تسلط مدير انتهازي عليه وإطلاق يده دون تدخل من الرئيس الأعلى للدائرة ممايؤدي إلى طمس وتهميش المهندسين بناءً على أمور (شخصية) فقط بعيداً عن إنتاجية المهندس وإبداعه.
وهذا حاصل في أغلب الإدارات التي تعتمد على الإدارة العرفية الاجتماعية مبتعدة عن الأسلوب العلمي في القياس والتقويم مما يشكل جواً منفراً للمهندس الذي يطمح إلى إنتاج غير تقليدي
ت- أثبتت إحدى الدراسات التي أجراها معهد الإدارة العامة أن (50%) من المهندسين يعملون في غير مجالات عملهم وهذا يعني هدراً بنسبة (50%) على التعليم الهندسي فهؤلاء المهندسون أنفق على تعليمهم ملايين الريالات ولكن اتجهوا إلى مجالات أخرى مثل التعليم، السلك العسكري، الأعمال الخاصة بسبب عدم تواؤم مخرجات التعليم الهندسي مع متطلبات (العمل الحكومي)، إضافة إلى أن توجه هؤلاء المهندسين إلى أعمال (حكومية) في غير تخصصهم يعتبر أيضاً هدراً آخراً وإضراراً بمصلحة العمل حيث إن القوس تعطى لغير باريها.
ث- إن الأساس في (هرم ماسلو) هو تحقيق الحاجات الأساسية وأهمها الحاجات المادية وهي الأساس الذي يبنى عليه هذا الهرم فلا تحقيق للذات بدون تحقيق الحاجات الأساسية وهي بالنسبة للمهندس (المرتب) الذي يتم تسليمه له مقابل أعماله وأتعابه وهذا المرتب ظل ثابتاً وبدون أي تغيير، وذلك بسبب إلحاق المهندسين (بسلم رواتب الموظفين العام) الذي هو سلم جامد منذ عشرات السنين، وحدثت هناك استقلالات عن ربقة هذا السلم لفئات كثيرة مثل الأطباء، والقضاة، والمعلمين، والعسكريين، وهي الفئات ذات العمل النوعي الذي يؤثر على الناتج المحلي للبلاد وأمنها، ولكن بسبب غير معروف تم إهمال فئة المهندسين من هذا الاهتمام مع أنها يفترض أن تأتي في المرتبة الأولى من حيث الاستقلالية عن هذا السلَّم، وذلك بسبب أن المهندسين هم الفئة الوحيدة التي تشرف إشرافاً مباشراً على تنفيذ أكثر من 50% من ميزانية الدولة من خلال الإشراف على مشاريع تزيد عن (200 مليار) سنوياً، ومع ذلك وعلى الرغم من أن عدد المهندسين لا يتجاوز (6000) مهندس فقط في القطاعات الحكومية فإن ما يصرف عليهم لا يتجاوز (0.2%) من هذه المشاريع وذلك مقارنة مع القطاعات الأخرى، وأجزم أن إنفاق 1% فقط من حجم المشاريع لزيادة حوافز المهندسين وتطوير قدراتهم كفيل بوقف تسربهم وتقليل الهدر المالي الكبير الذي يحدث بسبب التعثر للمشاريع أو عدم ضبط جودتها.
ومن المفترض أن لا يقل ما يصرف على المهندسين عن (10%) على الأقل حيث إن ما يصرف للمهندس في القطاع الخاص يزيد عن (5) أضعاف أو عن ما يصرف على المهندس الحكومي، ومع ذلك فقد ظلت القطاعات الحكومية تعاني شحاً من المهندسين وإذا حدث وعمل لدى القطاع الحكومي مهندس طموح وكفؤ وذو مقدرة على الابتكار والإبداع فسريعاً ما تستقطبه الشركات أو حتى القطاعات الحكومية التي تضع برامج للتشغيل والصيانة أو التي تعطي حوافز لمهندسيها، وهذا هو السبب الرئيسي (لتسرب) المهندسين وعدم رغبتهم في العمل بالقطاع الحكومي، ولهذا ظل هذا القطاع يراوح مكانه، وكان ناتج عدم الاهتمام بالمهندس في القطاع الحكومي أن تعثرت كثير من المشاريع وتتحدث الإحصاءات عن تعثر 25% من المشاريع وتأخر 50% منها لأنه في عدم وجود قطاع هندسي قوي وتنمية بشرية للمهندسين في القطاع الحكومي فسيستمر هجر هذا القطاع وتأخر المشاريع الحكومية وتكبد ميزانية الدولة سنوياً آلاف الملايين من الريالات التي تضيع إما بسبب الإهمال في الإشراف أو وجود ثغرات في الإجراءات المتبعة لتنفيذ المشاريع تتيح المجال (للفساد الإداري)، أو عدم ضبط جودة التنفيذ بسبب عدم وجود إشراف فني محكم قوامه الأساسي المهندس السعودي المتمتع بميزات وظيفية مشجعة وصلاحيات تطلق له عنان الإبداع دون وجود تهديدات بيروقراطية.
ج- طغيان العنصر (غير الوطني) على العمل الهندسي سواء في القطاع الحكومي أو الخاص ولهذا أسباب عدة أشهرها (عقدة الأجنبي) حيث إن كل بلد يعتقد أهله أن غيرهم أفضل منهم حتى ولو كان هذا الغير أقل تعليماً وثقافة... وبسبب طغيان هذا الاعتقاد حتى عند متخذي القرار أصبح المهندس والوطني كالغريب في وسط هؤلاء، كالذي يبحث عن الضوء في نفقٍ مظلم، فالأجنبي وهو العنصر غير الوطني هو المصّمم وهو المشرف وهو المسّلم للمشاريع حتى في وجود العنصر الوطني وهو المهندس السعودي حيث إن الثقة فيه معدومة في كثير من الأحيان فيعتقد أصحاب السلطة في الدوائر الحكومية أن العنصر الوطني غير مؤهَّل وغير مدرك وغير مهتم وغير متابع وهذا اعتقاد سائد في كثير من الدوائر الحكومية مما جعل العنصر غير الوطني يبرز على السطح حتى لو كان أقل تأهيلاً ومهارةً وإدراكاً من العنصر الوطني مما جعل المهندس السعوي (اتكالياً) في كثير من الأحيان على العنصر الأجنبي، وفي الغالب فإنه حلقة وصل بين المقاول والاستشاري لإعطائه صفة الرسمية ولمجرد كتابة الخطابات الرسمية والتواصل مع الجهات الإدارية الحكومية، ومن هنا فإنه لا بد من إعادة هيكلة الإدارات الهندسية في الوزارات وفروعها بما يتلاءم مع المتطلبات الفنية والإدارية للإشراف على المشاريع والتعاقد مع خبراء في مجال التنظيم والإدارة والهندسة والمشاريع لانتشال (الإشراف الحكومي) على المشاريع من حالة الضياع التي عرقلت وأخرت كثيراً من المشاريع التي ينفق عليها سنوياً مئات المليارات من الريالات وحماية ثروة البلاد من البيروقراطية القاتلة التي قتلت كثيراً من مهندسينا وأهدرت ثرواتنا.
فهل تسارع الجهات المسؤولة إلى استحداث مشروع وطني كبير للنهوض (بالهندسة السعودية) وخاصة المهندس السعودي الذي هو العمود الفقري في مشاريع التنمية وأنادي بسرعة إقرار الكادر الهندسي للمهندسين السعوديين الذي لن تتجاوز تكاليفه المادية على أحسن حالاتها 1% فقط من الإنفاق السنوي على المشاريع وبرامج التشغيل والصيانة..
أليس إنفاق 1% على كادر هندسي سعودي كفيل بوقف تعثر المشاريع وضبط جودتها وتشغيل المشاريع التي نفذت قبل انخفاض أسعار النفط تشغيلاً يؤتي ثمرتها بدلاً من أن تكون عبئاً وهدراً وتكلفة علينا وبناء قاعدة هندسية سعودية وطنية إن المهندس السعودي إذا لم يتم بناؤه كعنصر بشري مهم في معادلة التنمية فستكون الخسارة جسيمة جداً، ولا شك أن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية الذي يرأسه الأمير الهمام الأمير محمد بن سلمان هو المجلس الذي يقود النهضة التنموية لبلادنا ويوازن بين مدخلاتها ومخرجاتها في هذه المرحلة التنموية الحرجة التي اتضحت فيها الحاجة للمهندس السعودي لترشيد الإنفاق على المشاريع باستخدام (الهندسة القيمية) التي اتضحت الحاجة لها حالياً مع ضرورة إيقاف الهدر المالي في بعض المشاريع التي تكلف أموالاً طائلة ولا يوجد من يستخدمها أو لا يعرف تشغيلها وصيانتها، وأدرك أن هذا المجلس يعرف أن المهندس السعودي هو الرقم السهل في معادلة التنمية الحالية وأن الحاجة له اتضحت أكثر في هذه المرحلة.