فواز السيحاني
العيد قطعة حلوى في رداء يوم فاقضموها جيدا، تلذذوا بها، صافحوا الجميع في الشوارع والأزقة، قولوا لهم: نحن نحبكم وإن لم نكن نعرف أسماءكم جيداً، وإن لم نلتقِ بكم يوماً. ورغم كل القتل الذي يعبر القارات ويتربص بالحياة ارتدوا الثياب الجديدة، وللنساء اليافعات الفساتين التي تشبه القصائد والمجاز. تذكروا الموسيقى التي تحبون، ارفعوها لأقصى صوت في بيوتكم واجعلوا الأمهات يرقصن بطريقتهن العفوية أمام الأولاد، أمام الأحفاد. ضعوا في جيوب الصغار الكثير من النقود ذات الفئات القليلة. وفي آخر الليل أضيئوا الشموع في زوايا البيت، على النوافذ، وانتظروا بكامل يقينكم أحلام السنة القادمة حتى وإن كنتم تعتقدون أنها لن تأتي.
****
حينما سألوا الشاعر الكبير محمود دوريش عن كيف يكون العيد في بلدته القديمة قال: (تنبت على جبين الأطفال والأرامل زهور الجليل، تصلي القدس للجميع، والأهم من ذلك كله أن الموت يأخذ إجازته السنوية ويصبح عدد الشهداء أقل؛ لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة!!). نحن أيضاً في هذا اليوم الثالث يجب أن ينبت على جبيننا الورد، أن نتخلى عن: عنصريتنا المقيتة، أحقادنا القديمة، جديتنا اليومية، تصرفاتنا المحافظة أمام عائلتنا، أقاربنا؛ خوفا من سياط النقد والحياء الاجتماعي المزيف؛ فليس سيئا على الإطلاق أن يكون لنا الحق في ممارسة الفرح في هذه الأوقات - بل في كل الأوقات- ؛ فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة وما يستحق الفرح.
*****
الذين يكرهون السعادة هم يكرهون الحياة. إنْ رأيتموهم في الطرقات وعلى الأرصفة أو في اجتماعاتكم العائلية بوجوههم الخالية من أية تعبيرات إنسانية فأخبروهم ألّا أحد ولا العالم حتى يكترث بأحزانهم؛ عليهم أنْ يكونوا على الأقل فرحين ، فالسعادة هدف البشرية الحقيقي وحين نمارسها لا يعني ذلك بأن كل شيء «مثالي» من حولنا بل يعني وكما تقول إحدى الحكم الجميلة قد تجاهلنا كل شيء «غير مثالي» كي لا نخسر ذواتنا؛ فننهزم أكثر ونسقط في دوامة الإحباط، ونسكن مدن اليأس المخيفة.
******
أنا أعرف أنكم تريدون أن تفعلوا كل ما سبق؛ لكنكم لا تعرفون في أي الأماكن والساحات تمارسون ذلك؛ فلقد سئمتم من الأسواق، من الشوارع المزدحمة، من المهرجانات التقليدية التي لا تعرف منذ عشرات السنوات سوى الألعاب النارية؛ لكن ورغم كل ذلك يمكنكم الفرح حتى وإن كنتم خلف القضبان والجدران فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة، وما يستحق الفرح.
*******
وإن كنتُ لا أعرف أسماءكم، وإن كنتُ لم ألتقِ بكم يوما أقول لكم: «كل عام وأنتم بخير»، وكونوا كالأغاني الجميلة، كأحلام فتاة في عمر المراهقة ولشهداء الواجب والأبرياء الذين صاموا بجانب الحرم النبوي وأفطروا عند ربهم كل المغفرة وإلى جنتهم الواسعة.