سعد بن عبدالقادر القويعي
أعتقد، أن تعزيز الشراكة - السعودية الأميركية -، والدفع بها إلى مستويات أعلى بما يعبر عن مدى قوة تحالف البلدين، هما أحد أهم العلامات الفارقة التي تحمل الكثير من الدلالات لزيارة ولي ولي العهد - الأمير - محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ولا أدل على ذلك من أن الملفين - الاقتصادي والسياسي - استأثرا بنصيب وافر من الوقت في تلك الزيارة؛ نظراً للقاءات المرتقبة مع مسؤولي البيت الأبيض، ووزارتي - الخارجية والدفاع -، - وكذلك - رؤساء الشركات الأمريكية الكبيرة.
جاءت زيارة محمد بن سلمان المطولة إلى الولايات المتحدة، ومباحثاته مع المسؤولين هناك؛ للتأكيد على أهمية بحث الرؤية الاقتصادية، والتنموية للمملكة 2030م، وما تمخض عنها من برامج عديدة، مثل: برنامج التحول الوطني 2020م، الأمر الذي سيجعل من السعودية القوة الأكثر أهمية على المستويين - الإقليمي والعالمي -، بل وسيجعلها حليفاً اقتصادياً، باعتبار أنها تمثل فرصاً استثمارية كبيرة للشركات الأمريكية، وبحوافز كبيرة، والدخول في شراكات مالية بهذا الخصوص؛ لتعزيز الثقة بالاقتصاد السعودي، - إضافة - إلى التباحث في أكثر من مشروع اقتصادي مشترك بين الجانبين، وهو ما استوجب اللقاء مع كبار المستثمرين في السوق المالي الأمريكي العملاق «وول ستريت»، واجتماعه بمديري كبريات الشركات في وادي السيليكون.
بحسب مجلة «فوربس» الاقتصادية، فإن زيارة الأمير الشاب إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة، جاءت نتيجة تطلعه إلى استقطاب مزيد من الاستثمارات، - لاسيما - بعد إعلان شركة «أوبر» الأمريكية للنقل - مطلع الشهر الجاري -، أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي استثمر فيها 3.5 مليارات دولار، ما أفسح الطريق أمام ولي ولي العهد؛ لجذب المزيد من الاستثمارات، والصفقات المهمة، التي بدأت وسائل الإعلام السعودية بالإفصاح عنها، والتي كان آخرها مفاوضات قائمة مع شركة «أبل»؛ لاستثمارها في السوق السعودية بنسبة 40%.
أيضاً، سعى - الأمير - محمد بن سلمان لبناء علاقة اقتصادية إستراتيجية بين البلدين؛ حيث بلغ التبادل التجاري بين الرياض، وواشنطن، نحو 45 مليار دولار عام 2015م. كما تباحث مع القطاع الخاص الأمريكي؛ من أجل إنشاء شركة «صدارة» للكيماويات؛ لتكون لبنة للتعاون المشترك بين شركة «داو للكيماويات» Dow «، وشركة «أرامكو» السعودية برأسمال يبلغ 20 مليار دولار؛ لتكون بذلك أكبر مشروع بتروكيماوي في العالم.
سياسياً، فإن خطورة الوضع العسكري، والأمني، والسياسي، في منطقة الشرق الأوسط، - خصوصاً - عقب انخفاض أسعار النفط، وزيادة حدة التطرف، والعمليات الإرهابية، تستلزم - بلا شك - دعم العراق في قتالهم ضد تنظيم الدولة الإرهابية، وأهمية تحقيق انتقال سياسي في سوريا، بحيث لا يكون نظام بشار الأسد جزءاً منه، - وكذلك - المساهمة في حل الأزمة الليبية، - إضافة - إلى زيادة النفوذ الإيراني في العراق، وسوريا، واليمن - على وجه الخصوص -، والعمل على دعم أمن، واستقرار منطقة الشرق الأوسط، والتحديات التي تواجهها المنطقة.
ما أردت الإشارة إليه في خاتمة المقالة، أن العلاقات بين الدولتين تحكمها قواعد مهمة، منها المصلحة المشتركة، وتجنب الإضرار بالآخر، وعدم التدخل في شؤون الغير، - ولذا - فإن وجهة نظر السعودية من الاتفاق النووي مع إيران غاية في الأهمية، - خصوصاً - في مسألة تنصيب إيران قوة إقليمية في المنطقة وإقرار - وزير الخارجية الأميركي - جون كيري، بأنه: «من المرجح أن يصل جزء من الأموال التي ستحصل عليها إيران مع رفع العقوبات عنها فى إطار الاتفاق النووي إلى أيدي مجموعات مرتبطة بالحرس الثوري، والتي تعتبرها واشنطن مجموعات إرهابية»، - وعليه - فإن هذا الإقرار يعد دليلاً واضحاً، بأن السيناريو القادم سوف يكون أعقد، وأسوأ، وذلك حينما تستعيد إيران قوتها الاقتصادية، والمالية - بشكل أكبر -؛ لتمول تلك الجماعات الطائفية التي تقتل على الهوية؛ من أجل تبديل الواقع الديموغرافي في المنطقة. وسيدفعها - أيضاً - لتعزيز تدخلاتها الإقليمية في اتجاه مزيد من الهيمنة، وذلك من خلال الحروب التي تقودها إيران بالوكالة في المنطقة.
وضمن اعتماد الإطار القانوني للاتحاد الأوروبي لرفع كل العقوبات الاقتصادية، والمالية، التي فرضتها على إيران؛ طبقاً للاتفاق النووي الموقع - في يوليو الماضي -، فإن الخزانة الأمريكية قدرت الأموال التي ستحصل عليها إيران بعد رفع العقوبات عنها بخمسة وخمسين مليار دولار. وفي المقابل، تشير تحليلات إلى أن الاستفادة من هذه الأرصدة، ستحتاج إلى بعض الوقت؛ نظراً إلى تعدد مشكلات إيران مع دول الجوار، - وكذلك - حاجة الاقتصاد الإيراني إلى فترة طويلة؛ حتى يسترد عافيته، - خصوصاً - في قطاع النفط الذي لن يسترد عافيته تقنياً، ولوجستياً، واستثمارياً - على المدى القصير -؛ لأنها بحاجة لمبلغ «185» مليار دولار أمريكي؛ من أجل إعادة ترميم، وصيانة منشآتها النفطية؛ بسبب حدوث تلف شديد بهذه المنشآت؛ لعدم استعمالها خلال سنوات العقوبات الاقتصادية، - إضافة - إلى ما نتج عن ذلك من تخوفات، بشأن استمرار الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، وفي مقدمتها: ارتفاع نسبة البطالة، والتي تقدر بنحو «14%»، كما أن النسبة الحقيقية للتضخم الإيراني بلغت «40 %».
الجدل المثير، والمستمر مع بدء مرحلة رفع الحظر عن الأموال المجمدة الإيرانية، يشير إلى أن أنشطة إيران التوسعية في المنطقة لم تزدها إلا فقراً، ودماراً في مختلف مناطق وجودها. مع أن رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران المثقل بالأزمات، يأتي في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط العديد من الصراعات. وفي تقديري - فإن من المتوقع بعد رفع العقوبات، أن تبادر الحكومة الإيرانية إلى إنقاذ اقتصادها، الذي يعاني من تعثر مزمن، - لاسيما - مع استمرار الانحدار الكبير لأسعار النفط في الأسواق العالمية، رغم أنها لن تخرج بسهولة من أزماتها الاقتصادية، وتحدياتها التى نشأت، وتشعبت؛ بسبب عزلتها الدولية.
مرحلة جديدة يدخلها الشرق الأوسط بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، إلا أن هذا لا يعني أن كل الملفات أصبحت منجزة، بل لا تزال هناك ملفات عالقة، تتمحور حول استعداد إيران لتقديم تنازلات في ملفات داخلية، وإقليمية، ويتعاطى أكثر بواقعية، ومرونة. ومع أن سياسات إيران تمثل خطراً كبيراً على الاستقرار في الشرق الأوسط، فإن رفع العقوبات عن إيران بعد اتفاقها النووي مع القوى الدولية، سيعد تطوراً سلبياً إذا استخدمت طهران المال: «لتمويل أنشطة شائنة»، كما صرح بذلك - وزير الخارجية السعودي - عادل الجبير - قبل أيام.