خلق الوفاء من الأخلاق النبوية الكريمة، والوفاء القيام بمقتضى العهد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق وفاء ولم يعرف عنه في حياته أنه نقض عهداً قطعه على نفسه، وقد شمل وفاؤه عليه الصلاة والسلام كافة الخلق حتى شمل أعداءه المحاربين له المكذبين لدعوته. ومن وفائه صلى الله عليه وسلم بالعهد لأعدائه وفاؤه بعقد الحديبية حتى إنه رد أبا جندل بن سهيل بن عمرو لقريش بموجب نصوص هذا العهد بعدما جاءه مسلماً هارباً من قريش، وطلب منه الصبر والاحتساب ووعده بأن الله تعالى جاعل له ولمن معه من المستضعفين مخرجا.
أما وفاؤه لأصحابه فهو الأكمل على الإطلاق وبخاصة للسابقين الأولين من المؤمنين، فلم ينس لهم سوابقهم في الإسلام، بل كان يذكر لهم ذلك وفاء لهم واعترافاً بفضلهم، ومن صور ذلك وفاؤه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه أول من آمن به من الرجال وبذل نفسه وماله في سبيل الله وصاحبه في الهجرة وأحب الخلق إليه حيث قال في مشهد من الوفاء: إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبا بكر. ووفاؤه للأنصار الذين آووه ونصروه وآووا أصحابه وبذلوا أنفسهم وأموالهم في نصرته ونصرة دينه فوفى لهم حتى جعل حبهم من دلائل الإيمان.
ووفى صلى الله عليه وسلم لزوجه خديجة رضي الله عنها أول الخلق إيماناً وكانت خير معين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واسته بمالها، وساندته في دعوته، وكانت نعم الزوجة لزوجها. فوفى لها حتى بعد وفاتها، وكان يذكر فضلها ومآثرها ومناقبها ويكرم صدائقها وفاء لها.
وكان عليه الصلاة والسلام وفياً لأقاربه أعظم الوفاء فوفى لعمه أبي طالب حتى بعد مماته في أنه يشفع له شفاعة خاصة لتخفيف العذاب عنه، كما وفى لعمه حمزة رضي الله عنه حتى كان يعز عليه أن يرى قاتله حتى بعد إسلامه، فقد كان وفاؤه أعظم الوفاء وأكمله.
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود
adelalshddy@hotmail.com