د. محمد بن إبراهيم الملحم
طرحت في مقالتي السابقة إشارة إلى الصخرة الهوجاء التي تعيق عمل وزير التعليم فتضعه في أزمة حل مشكلات النقص الحاد في المباني والتجهيزات المدرسية والتي هي محل مطالبة المجتمع بينما تظل القضايا التعليمية في المرتبة الثانية لتجاوب طبيعتها الناعمة مع التأجيل أو التعامل السطحي الذي تضخم من خلاله مشاريع براقة بأفكار جذابة لكن لا يعالج أساس المشكلة لنقص الجهد المبذول في البحث العلمي والاستقصاء المهني عنها والتعامل معها. والأمر يتعدى ذلك إلى مشكلة أعمق: هو أنه مع تركيز الوزير (وباقي مسئولي التعليم) على الجانب اللوجستي للمباني والتجهيزات المدرسية فإن ذلك لا يصل إلى درجة عالية من بناء الخطط ووضع التنظيمات وإنما يراوح في حل المشكلات العالقة الضاغطة عليهم جميعا. وحتى لما وجد نوع من التخطيط ومحاولات لبناء تنظيمات تحسن فعالية هذا المجال المزعج ظلت تلك دون اختبار مدى الجدوى والعودة إليها للتطوير والتحسين فقلما يحدث ذلك لطبيعة حجم العمل الضخم وتعدد المناطق والمحافظات ولكل منها نوع مشكلة مختلف عن الآخر في كثير من الأحيان.
هذه المعضلة ليست قاصرة على وزارة التعليم بل تشترك معها كل وزارة لديها في كل منطقة ومحافظة مبان متعددة (كالمدارس) تحتاج إلى العمل المستمر للبناء والصيانة والتجهيز ولا أجد مثلا مكافئا للتعليم في باقي الوزارات مثل وزارة الصحة فهي تأتي في المرتبة الثانية بمراكزها الصحية المنتشرة في الأحياء ومستشفياتها المتعددة في كل منطقة بتخصصاتها المختلفة وكذلك مباني إداراتها المتنوعة سواء للعمل الإداري أو الوقائي أو سكن الطاقم الطبي وغير ذلك، ثم يليها في تقديري المساجد ثم البلديات بالأسواق التي تنشئها للخضروات واللحوم والحدائق ودورات المياه العامة وما إلى ذلك من المنافع.
كل هذه ياسادة «مبان وتجهيزات» تحاج إلى صيانة مستمرة وهدم وبناء وإعادة تأثيث وتجهيز من وقت لآخر وهي مهمة واضحة المعالم في طبيعتها وأسلوبها الإداري وكذلك شكوى المواطنين منها واحدة في شكلها ومجالها بينما تتباين الوزارات في الإنجاز والأداء ! والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن لماذا وزارة «تعليم» تعلم الطلاب ووزارة «صحة» تعالج المرضى ووزارة «مساجد» تشرف على الأئمة ووزارة «بلديات» تخطط للمدن وتشرف على الخدمات وصحة البيئة، لماذا تشغل كل هذه الوزارات بمهمة البناء والصيانة والتجهيز، لماذا لا تركز على تخصصاتها وتنشأ وزارة متخصصة أو مؤسسة عامة للمباني والتجهيزات الحكومية فيكون لها فرع في كل منطقة ومحافظة يهتم بتلك المباني ؟ وهذا لن يكلف الدولة شيئا فالإدارات المختصة بالمباني والتجهيزات (بتخصصاتها التعليمية والطبية ...الخ) تنقل إلى وزارة المباني الحكومية المقترحة لتشكل بمجموعها تخصصات هذه الوزارة. هنا ستتمكن الجهات الرقابية والمقيمة للأداء من تقديم تصور واضح المعالم عن جانب من الخدمة مهم جدا للمواطن ويحقق الحد الأدنى من متطلبات المعيشة المدنية الأساسية بكل ما في ذلك من أمور السلامة والصحة والرفاهية المنشودة من وراء هذه المباني. وبهذا الأمر سيتسنى لكل وزارة أن تركز على مجالها التي هي متخصصة فيه فنرى الإبداع والتطور المنشود ويسوغ حينها العتب والمحاسبة.