د. أحمد الفراج
عندما استيقظت الولايات المتحدة، ذات صباح، على الجريمة الأعنف في تاريخها، أي أحداث سبتمبر، تعاملت مع الأمر على أنه حرب عالمية، فقد تم استخدام المخابئ الرئاسية، في البيت الأبيض، وحرص أمن الرئيس بوش على تأمينه في قاعدة جوية، قبل المجيء إلى البيت الأبيض، ثم بعد ذلك، تم تأسيس وزارة للأمن القومي، ثم بدأت مراكز البحوث والدراسات في أمريكا، وأوروبا، بدراسة الإسلام، وفحص التيارات المنضوية تحت لوائه، وكل ما يتعلّق به، وأذكر بهذا الصدد أن مفكراً ألمانياً زار المملكة، بعد عامين من أحداث سبتمبر، وعندما تحدثت معه لساعات، اكتشفت أنه يعرف عن الإسلام وتاريخه والتنظيمات المنتسبة إليه أكثر مما يُعرف معظم المسلمين، وهذه عادة الغربيين، فهم يتناولون القضايا الشائكة من منطلقات علمية بحتة، ويفحصونها، ثم تطرح المقترحات بشأنها، وهم لا يتوقفون عن البحث والاستقصاء، حتى يومنا هذا.
بعد ذلك، ضرب الإرهاب في المملكة، واستطاعت وزارة الداخلية مجابهته بكفاءة عالية، على مدى سنوات، حتى ظننا أنه على وشك الانحسار، إن لم يكن انحسر فعلياً. هذا، ولكن الشفافية تقتضي أن نقول إنه على الرغم من نجاح قوات الأمن المبهر في الحرب على الإرهاب، إلا أن المواجهة الفكرية للإرهاب لم تكن بمستوى المستوى المواجهة الأمنية، وهذا ربما يفسر أن كثيراً من المقبوض عليهم بتهم الإرهاب كانوا أطفالاً، عندما ضربنا الإرهاب أول مرة، ولعله يفسر عودة موجات الإرهاب مؤخراً، وبعنف أقوى من السابق، مثل ما حصل خلال الأيام الماضية، عندما حدثت أعمال إرهابية في ثلاث مدن سعودية، خلال يوم واحد، ومن يتابع ردود الأفعال على الأحداث الإرهابية يلحظ أن الحزبيين، أي أنصار تنظيمات الإسلام السياسي، لا يشجبون أي عمل إرهابي، وحتى عندما يفعلون ذلك، تحت الضغط الشعبي، فإنهم يشيرون إلى كل شيء، إلا الأسباب الحقيقية لنمو التشدد الديني، والذي يفضي إلى الإرهاب.
كان لافتاً أن معظم أقطاب الإسلام السياسي السعوديين شجبوا، وعلى استحياء، حادثة المدينة المنورة الإرهابية، ولم يشيروا من قريب أو بعيد للحادثتين اللتين وقعتا في مدينتي جدة والقطيف، والمثير للسخرية أنهم قالوا إن العمل الإرهابي في المدينة المنورة كان انتهاكاً لحرمة المكان، وهذا صحيح، ولكنهم لم يشيروا إلى أن هذا العمل الإجرامي الشنيع، أيضاً، يزعزع أمن الوطن، وهؤلاء يهونون عند زمرة، سخرت نفسها للحرب على صحف الوطن، وقنواته التلفزيونية، وكتّابه، ومثقفيه، فعند كل حدث إرهابي، يقف إعلامنا الوطني ورموزه وقفة رجل واحد مع الوطن وقادته، ثم ينبري لهم مغرِّد شهير، مضطرب نفسياً، ويتبعه جيش جرار من الخونة والعملاء والناقمين، ويعزِّز له نفر من رفاقه من أتباع التنظيمات الإسلاموية، أقول يبدأ هذا المغرّد حملته المعهودة في الحرب على إعلامنا الوطني، وتخوينه، ويستخدم في سبيل ذلك كل أساليب الشتم والقذف، وهذا أمر محير، إذ ما زال يفعل ذلك، حتى لحظة كتابة هذا المقال، وهذا يجعلنا، كمواطنين، نتساءل عن سر هذه الحملات المزعجة لهذا المغرِّد وزمرته، فهذا عمل أقل ما يقال عنه إنه خيانة وطنية، إذ ليس معقولاً أن يجتهد إعلامنا الوطني، والكتّاب، والمثقفون، في الوقوف مع الوطن، عند كل عمل إرهابي، ثم تنبري لهم زمرة شاذة بالتخوين والقذف والتشويه، ويعزِّز لهم تابعوهم من الخونة والعملاء أعداء الوطن، لأن هذا السلوك أصبح محبطاً لكل إعلامي وطني، كما أنه يشوّش على الجهود الإعلامية الصادقة، وهو ما ينعكس بدوره على المواطن، الذي تأتيه رسائل متناقضة: رسالة الإعلام الوطنية التي تقف مع الوطن وقادته، ورسالة «الزمرة» التي تشوّه الجهود الإعلامية الصادقة، فهل نرى وقفة جادة مع هذا الأمر، نتمنى ذلك وبأسرع وقت ممكن.