د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** كان صاحبكم واحدًا من كثيرين رأوا في موقف المدرسة السلفية من حروب الصحابة - رضوان الله عليهم - موقفًا رماديًّا يحاول تمييع التأريخ بالكفِّ عما شجر بينهم والدعاءِ لهم واعتقادِ اجتهادهم بما يحقق أجرَي المصيب والمخطىء؛ فقراءة التأريخ بتجردٍ من غير منح حصانة لحوادثه وشخوصه سيضيء مسارات العقل المنطلق الذي ينشد حرية التفكير ويرفض وجود نطاقات محرمةٍ تمنعه من نقاش هذا أو التعرض لذاك؛ فإذا لم يستوِ من آمن قبل الفتح وهاجر بمن آمن بعده فإن لنا أن نفرق بينهم وَفقًا لقراءاتنا الذاتية المؤْمنة بعوامل فارقةٍ في التميز البشري والإضافات الحضارية.
** بدأ صاحبكم تحولًا عن بعض اقتناعاته - قبل أعوام - منذ أن استهلت إحدى المحطات الفضائية نقاشاتٍ عاصفةً بين علماءَ من الشيعة والسنة في ليالي رمضان، ويذكر أنه انقطع عن كل التزاماته حينها عازمًا على اتباع الحق الذي يهتدي إليه دون أن يميل ميزانه « القَبلي» مع أحد المذهبين محيِّدًا جذوره الانتمائيةَ الممتدة.
** لم يكن الخلل في الاقتناعات؛ فما نزال نرى التأريخ بعين الناقد الساعي إلى إثبات الحقائق ونفي الأباطيل، ولكن مخرجات ذلك الحوار الفضائي كانت صادمة بتجذيرها المسافات الفاصلة لا القواسم الواصلة، وبما تضمنته من تحشيدٍ للمشاعر الملتهبة بما ملكه المتحاورون من أصواتٍ عاليةٍ إن لم نقل طاغية غاصت في أعماق المرجعيات المذهبية المتطرفة ومن غير مراعاةٍ للمدارس المعتدلة المجسَرة للعلائق الدينية واللغوية والتأريخية والجغرافية؛ فما زادنا حوارُهم إلا نأيًا ببراءة النفس وأسفًا على رداءة الدرس.
** أدرك صاحبكم كم كانت المدرسة السلفية واعيةً حين لم تحكم لطرف ولم تحتكم إلى جدليات؛ فما تورطت فيه سيوف القوم تطهرت منه ألسنتنا وأقلامنا، ولن يضيف إلينا تمحيصُ مرويات سيف بن عمر « السني» مثلما لن يجدي تدقيق أحاديث الكليني « الشيعي»، ولو كان الحق غايتَهم لأعلوا أصوات الاعتدال التي تخمد جذوة الخلاف وبخاصة ما يمس رموز الأمة ولعرضوا إمامة السيد محمد حسين كاشف الغطاء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وخلفه علماء الأمة وعامتها عام 1350 هـ وفيهم السنة والأباضية والشيعة كما روى نبيل الحيدري في كتابه الضافي (التشيع العربي والتشيع الفارسي) وكان في المأمومِين الشيخ محمد رشيد رضا والحاج أمين الحسيني والشاعر محمد إقبال والشيخ نعمان الأعظمي وآخرون.
** آن لنا أن نقلبَ صفحات التاريخ المؤذي ونلتفتَ إلى طغاة هذا الزمن فسنجد في جرائم سليماني والمالكي وبشار والحوثي وذيولهم ما يئن منه عمر وعثمان وعلي والحسين - رضي الله عنهم - الذين استشهدوا ولم يورثونا دماءَهم، ولن ينصر الحسينَ من يتخندق مع سفاحي دمشق وبغداد وصنعاء وسادتهم الفرس لقتل وتشريد وترويع أهلنا الآمنين.
** الثأرُ يمتد ثارات.