د. جاسر الحربش
كانت النية أن ينشر النصف المكمل لمقالي عن ورطة الدولة الحديثة مع فقهاء الماضي يوم الأربعاء الأول من شوال وهو يوم العيد. بعد إفطار يوم الاثنين بدأت الأخبار تتوالى عن تفجيرات إرهابية في المدينة المنورة ومدينة القطيف، مضافة إلى أخبار تبادل القصف المدفعي مع الحوثيين على حدودنا الجنوبية. تذكرت أن هناك إذا مواطنين لن يكون لهم عيد بين أطفالهم وعوائلهم، لأنهم على خطوط النار في الحدود أو تحت الاستنفار الأمني في الداخل. طلبت من تحرير الجزيرة نقل المقال التكميلي إلى موعد آخر، ونشر معايدة لجنودنا المرابطين على الحدود وحراس أمننا الداخلي، وذلك أقل القليل للتعبيرعن الشكر والامتنان.
العيد يعني الاجتماعات العائلية والتجمعات الاحتفالية والابتهاج بالأطفال وهم يتراكضون بملابسهم الجديدة، وبضحكاتهم وتدافعهم على الحلويات والعيديات.
ذلك هو ذروة المكافآت للحياة المستقرة الآمنة، عندما يكون الناس مطمئنين بوجود من يحرس لهم هذا الاستقرار وما يقدمه من أعياد واحتفالات.
المواطن المدني هو المستفيد الأول من وجود من يحرس له الاستقرار، ولكن ماذا عن حارس الاستقرار، المواطن العسكري البعيد عن أطفاله وأهله يوم العيد، هل له عيد؟. في ظروف الاستنفار والأزمات الأمنية ينغمس المواطن العسكري في ثلاثة أنواع من الاغتراب عن الأعياد، غربة البعد عن أطفاله وأهل بيته وغربة الانفصال عن بهجة الزيارات والتجمعات وغربة الاستنفار والسهر، بعيون على الأفق ويد على السلاح.
فقط ذلك النوع المتبلد من المواطنين المدنيين لا يستطيع أن يستحضر غربات العسكري في الأعياد أثناء الأزمات الامنية. هو يستحضر فقط العسكري المرتاح أيام السلم وانتفاء الخطر، مستنتجا أن العسكري يحصل على مزايا لا مبرر لها، ولكن ذلك هو خداع الأيام الرغيدة المطمئنة. في كل مجتمعات العالم يوجد مقدار ما من التوجس تجاه العسكري، يكبر ويتعمق كل ما طالت فترات السلم والهدوء. ما أن ينثلم ويرتبك الهدوء ويشعر ذلك المدني بالتهديد، حتى يدرك أن ساعة في العسكرية وفي المواجهة المباشرة مع الخطر واحتمال الموت بألف ساعة في وزارة أو شركة أو أي خدمة مدنية.
كنت أحد الذين ينظرون إلى كل الجيوش والسلطات الأمنية العربية نظرة توجس، باعتبارها مؤسسات مكلفة تفتقر إلى المبررات. البعد الطويل عن الشعور بالخطر المباشر وخيبات الجيوش العربية في الماضي كرست تلك النظرة عند كل العرب. الآن تغيرت النظرة بعد أن تهاوى الأمن في دول الجوار وبدأ الناس يهربون بأرواحهم وأطفالهم وأعراضهم إلى دول أجنبية. عندما يدق التهديد المباشر أبواب الأوطان ترحل سكرة الارتخاء والانتقاد وتحل فكرة الحاجة إلى من يحرس ويضحي ويغترب عن أطفاله وأهله، من أجل الآخرين وأطفالهم.
المواطن غير القادر على استحضار هذه الحاجة سوف يغير رأيه حتما عندما تسقط أول قنبلة في حيه أو في جوار بيته لا سمح الله.
انطلاقا من هذا الشعور الصادق أتوجه باسمي ونيابة عن أطفالي وأهل بيتي بكل ما أستطيع التعبير عنه من الشكر والامتنان وصادق الدعاء لحراس الوطن في الخارج والداخل، حماهم الله وحقق أهدافهم الوطنية وأعادهم إلى أطفالهم وأهلهم وإلينا سالمين غانمين.