أمل بنت فهد
يعبر الحيوان بجسده.. في الحب والغضب والخوف والجوع والتهديد.. باختصار كل غرائزه مرتبطة بحديث جسده.. به يقاتل ويمارس الحنان والولاء والتحدي.. حديث صريح صارخ لا يعرف كذباً ولا تلفيقاً.. ربما لأنه لا يملك القدرة على الحديث مثل بني البشر.. ولا أجزم بأنه أكثر تطوراً في التعبير من خلال لغة الجسد.. أم أن الإنسان مشغول بالاستماع للآخر عن فهم ماذا يقول جسده.. لذا نسي مع الوقت صدق الجسد ونزاهته حين يحكي وحين يحب ويكره.. وفي كل أحواله.
وبرغم أن أكذب ما في الإنسان لسانه.. إلا أنه لا يزال مشغولا بمخرجاته.. ويعول عليها.. ويحكم من خلالها.. ويستخدمها كثيراً.. حتى وصل لمرحلة الخضوع للتطور التكنلوجي وبات الحديث مكتوباً.. لا يمكنك أن تستشف منه نبرة.. أو إيماءة.. لذا سيكون التأويل محورا رئيسياً في حياتنا.. فهل نتعلم فنونه وندرسه.. وتخرج على السطح مدرسة تأويل الرسائل المطبوعة.. وهل يمكن أن تكون دقيقة.. بالطبع لا يمكنها أن تنافس لغة الجسد.. ولغة النبرات التي تهزها المشاعر وتعبث بثباتها.
نحن تحت حصار الأجهزة التي تمنحنا رسائل باردة وفاترة.. ويمكن أن تُفهم بألف معنى بعيداً عن القصد الذي من أجله كتبت.
هل حدث وسمعت كاتباً يتحدث كنت معجباً جداً بقلمه.. هل واجهتك صعوبة الربط بين صورته التي رسمها خيالك بعد أن نطق لسانه وبين صورته الأجمل وهو يكتب؟
ومثله الرسام.. والمطرب.. والممثل.. والخطيب.. وحتى الإنسان العادي البسيط.. لحظة يتوقف تزوير الخيال.. وتقابله وجه لوجه.. فالخيال أخطر مزور يمكنه أن يلعب بالصور لصالحك أو ضررك.. فأنت من يحدد توجيه السلاح.. اتجاهك أم اتجاه الواقع.
ما يحدث أن الإنسان حين يمارس فنه وهوايته يكون ساحراً جداً.. ومؤثراً.. فهي نجومه التي تمنحه وهجاً.. وحين يكون في حالته العادية فهو عادي بكل بساطة.
لذا سيبقى الواقع الحي.. بنبضه.. وتلقائيته.. وجنونه.. وتعاطينا من خلاله أصدق ويعطينا حكماً حقيقيا وواضحا عن الآخر.. ويرسم لمشاعرنا مساراً صحيحاً.
ومن جهة أخرى فإن تعاطي الجمهور مع رمز ما.. وإعجابهم به دون أن يدركوا ماذا قدم وماذا فعل.. يحكي قصة قصيرة عن هيمنة الخيال على الواقع.. صور ترسمها الجماهير دون وقائع أو إثبات.. إذ يبدو الخيال فردياً وجماعياً أيضاً.. وإلا ما الذي يجعل جموعاً تقدس بشراً لأنه أبهرها في فنه.. ويتحول الإعجاب إلى شخصه الذي قد يكون أقل من عادي!
لذا لابد أن تفرق بين الإعجاب بالفكرة والمصدر.. افصل بينهما فالنضج أن تتخلص من شخصنة الأفكار.. لأنها تأسرك في خيالك.. وأكثر من ذلك فهمي تُدخلك إلى حيز الولاء أو المعاداة.. ليكون صاحب الفكرة مثلاً أعلى أو عدواً.
وتذكر أن إبداع الشخص في فنه ليس ذريعة لأن يكون ولياً مصلحاً أو «فلتة زمانه».