د.فوزية أبو خالد
(1)
حزمة مواضيع لمقال واحد
هناك عدة مواضيع كنت أشاور النفس أي منها أختار موضوعاً لمقال اليوم. كان هناك أن أستأنف تناولي لعدد من الشخصيات التي لعبت دوراً تنويرياً منذ منتصف الستينات الميلادية في تشكيل أشواق وطروحات وموضوعات وأشكال التعبير الجديدة على الساحة الثقافية بالمجتمع السعودي مثل ما فعلت في متوالية أسبوعية سابقة تناولت فيها عدداً من الأسماء مثل د. فاتنة شاكر, حيث وعدت بالعودة لتناول مسيرة مزيد من تلك الأسماء التي يكاد يجهل جهودها وجهادها على جبهة الكلمة جيل هذا اليوم.
كان هناك أيضاً احتمال أن يتناول مقال اليوم موضوع تحليل «الزيارة الاستثمارية» إن صح التعبير التي قام بها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لكل من أمريكا وفرنسا.. هذا بالإضافة إلى موضوع آخر كان يشغلني وهو موضوع تجريف المنطقة الصناعية بجدة وهدم ورش إصلاح السيارات وقطع أرزاقهم في عز شهر رمضان المبارك بدعوى إجبارهم على الانتقال إلى المنطقة الصناعية بعسفان بينما لا تزال المنطقة المقترحة كمقر جديد لصناعية جدة «خلى خالي ورب عالي خالية من أسباب الحياة» لا كهرباء ولا ماء.
كنت أريد أن «أُبدي» الكتابة في موضوع يشكل جرحاً لكرامة كل مثقف وعن الألم الذي أصاب روحي شخصياً من تنكر بعض أصحاب المناصب من جيل الصغار لبعض أصحاب التضحيات وأكتواء الأصابع بنار الكتابة والصحافة من جيل الكبار نفوسا وتجربة.
(2)
هل من يقرأ الصحف في العيد
غير أنني قبل أن يستقر عقلي على أي من الموضوعات أعلاه أختار, مالبثت أن غيرت رأيي وصرفت ذهني عن التفكير في الكتابة عن أي الموضوعات أعلاه حينما انتبهت أن توقيت المقال سيتزامن مع أول أيام عيد الفطر المبارك عساكم من عواده. وذلك لخشيتي أن يضيع أي من تلك الموضوعات على أهمية كل منها القصوى, بالنسبة لي على الأقل, في انشغال الناس عن قراءة الصحف, بطقوس اليوم الأول للعيد والذي يكون عادة مشحوناً بتفاصيل المعايادات واللقاءات العائلية للعيد. ولخشيتي أيضاً من أن يضيع الموضوع في زحمة الإعلانات لما ينتجه ذلك الإزدحام في الغالب, كما أتوقع من ملاحظتي وليس من إحصائيات مدروسة, وعزوف الناس عن قراءة الجرائد في فترة المناسبات, خاصة قراء المقالات.
(3)
ماذا تقول إعلانات المناسبات
لا أدري لمن نكتب حين يكون موعد المقال أول يوم من أيام العيد. ولا أدري أن كان هناك من يقرأ الصحف أصلاً في أيام المناسبات الرسمية والشعبية لأن الصحف عادة ما تمتلأ بصفحات التهاني التي ليس أغلبها في حقيقة الأمر إلا إعلانات عن نوع عجيب من البضائع التي تتنوع من تسويق الذات إلى تسويق القبائل والحمايل وقصائد المديح والشركات والوكالات وسواها من ماركات وبضائع المحلات والمؤسسات الربحية. وتستعر حمى الإعلانات في مثل هذه المناسبات إلى أن تبلغ ذروة الابتذال بالإعلان عن البيع والشراء في ما لا يباع ولا يشترى, وهو الانتماء والولاءات.
ولكن توخياً لشيء من الموضوعية وترجيحاً لفضيلة الشك لابد من استدراك. فبعض تلك الإعلانات وإن جاء مركزاً على تأكيد الولاء, فإنه على ما يبدو يصدر حقاً, و»رغم إخلاله بالفارق الزمني بين الأمس واليوم», عن حسن نية وربما يراد به أن يكون امتداداً «حداثياً», أي باستخدام الصحف كوسيلة عصرية أو مخضرمة لأداء ما يعتبر في حكم الواجب داخل منظومة تقاليد العلاقات الرأسية القبلية القديمة. وذلك باهتبال المناسبات الجمعية للتواصل مع الحاكم أو الشيخ أو القائد أو من في حكمه بما يشبه تجديد عهود الولاء والسمع والطاعة.
أما ما تضيق عليه فرص التأويل التسامحي خارج المعنى الاستنفاعي لذلك السيل من الإعلانات التي تحجب كل ما سواها من كلام خارج لغة الإعلان التي تطرب ميزانية الجريدة وإن صرفت سواد القراء, فيتمثل في بعض آخر وآخر من تلك الإعلانات على اختلاف مآربه المصلحية. إذاً لا تعدو عينة واسعة من تلك الإعلانات التي يحظى بعضها بصفحة كاملة إن لم يكن بكامل الصحيفة أن تكون استغلالاً لمثل هذه المناسبات للفت نظر «السلطة» و»المجتمع» عن سابق عمد وترصد للمناسبات إلى أهمية موقعهم على السلم الاجتماعي أو على مسرح الحياة العامة. بما يتحرى أصحابه أن تأتي إعلاناتهم أُكلها منها باعتبارها تعبير عن ثقل الحضور الشخصي أو الأسري أو المهني أو التجاري إلخ.. الذي يشكل لهم ويتوخون به الحصول على مزيد من الامتيازات والتأثير في ميزان القوى الاجتماعية.
(4)
هل يمكن أن تصرف الزكاة على إعمار ما خربته الحروب، ليس هذا السؤال من باب المزيد من توظيف المال في مآلات سياسية, بل على العكس من ذلك تماماً فهو يروم تطهير الزكاة من عوادم السياسة بمعاندة مخرجات الحروب العدمية التي تعاني من محاقها وخرابها للبيوت وكسرها للنفوس عينة عريضة من بنات وأبناء المجتمع العربي.
كنا كلما طوى الزمن صفحة من شهر رمضان كلما كتبت في دمنا وبدمنا الأخبار بمختلف مصادرها الإلكترونية والورقية والسمعية والبصرية صحائف من التفجع والتألم المبرح على أهلنا من الشعوب العربية التي تذبح على رؤوس الأشهاد حية على الهواء والتي تُعرى وتُجوع وتشتت وتُهجر وتقطع أطراف أطفالها بدون قطرة حياء من مجرمي الحروب. لقد جرحت حروب المنطقة أرواحنا وحرمتنا حتى من لذة الصيام فهل أقل من أن نبادر برفع أصبع احتجاج بدل أن نلعن الظلام أو بالأحرى قبل أن تحل علينا جميعا لعنة الظلام.
وقد خطر لي, بدل أن ينشغل علماء الأمة في إصدار فتاوي لسفائف الأمور بما جعل جحافل منا تسغني عن رؤوسها فلا تستطيع اتخاذ قرار أو تكوين رأي مهما صغر شأنه دون الاستعانة بفتوى, لماذا لا يفتوننا في أمر الزكاة التي يذهب الكثير منها لتوسيع سوق الاستهلاك, بينما نحن اليوم في أمس الحاجة لمبادرة مدنية واسعة تجمع أموال الزكاة لتقيم بها مدارس ومشافي ومصانع أطراف صناعية وإيجاد مشاريع عمل لمشردي الحروب من أوطاننا بدل تخطفهم بأيدي صناع الحروب أو تركهم نهشاً لكواسر اليأس.
(5)
سطر ليس أخيراً
في العيد فكر بغيرك ممن ليس لديه بيت يطرق بابه العيد.