من منَّا لا تهفو نفسه لزيارة الكعبة المشرفة بيت الله العتيق بمكة المكرمة، أو يود من كل قلبه أن يسلم على سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم- بزيارة قبره عليه السلام بالمدينة المنورة!! فللحرمين الشريفين أثر عظيم في نفوس المسلمين كافة، وبصفة خاصة، المسجد الحرام؛ فهو المسجد الأعظم في التاريخ الإسلامي، حيث يتوسط مكة المكرمة، ويحتضن في قلبه أول بيت وضع للناس على سطح الأرض، وهو الكعبة المشرفة.
ولقد كانت مكة المكرمة، وهي حاضنة المسجد الحرام، أحب البقاع إلى قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم وصحبه- حيث يقول - صلى الله عليه وسلم- عن مكة: (والله إنكِ لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منكِ ما خرجت)، قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وروي عن عائشة، رضي الله عنها أنها قالت: «لولا الهجرة لسكنت مكة.. إني لم أر السماء قط أقرب إلى الأرض منها بمكة، ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة، ولم أر القمر بمكان أحسن منه بمكة».
قبل البعثة النبوية، حرصت قريش والعرب كافة على إقرار الأمن وتوفيره في مكة بكاملها كأمر لازم لحرمة البيت نفسه. فقد اختص الله تعالى مكة المكرمة بفضائل عديدة على رأسها اختيارها مكانا لبيته العتيق (الكعبة)، واختيارها مولداً لرسوله المصطفى - صلى الله عليه وسلم- ومبعثا له وجعلها مناسك لعباده، فأوجب عليهم الإتيان إليها من كل فج عميق، خاشعين ضارعين كاشفي رؤوسهم، متجردين من لباس أهل الدنيا، وكونها قبلة لأهل الأرض جميعا، وفيها الكعبة المشرفة وبئر زمزم، ومقام إبراهيم، وحجر إسماعيل والصفا والمروة.
وبعد البعثة المباركة وانتشار الإسلام وظهوره بإذن الله على الدين كله استمر هذا الحرص من حكام المسلمين على عمارة بيت الله الحرام وتوسعته، فرأينا أن المسجد الحرام جرت به عدة توسعات، منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام وكذلك العناية بمكة المكرمة ومرافقها لصالح الحجاج والزوار.
واليوم يرى العالم ويشهد المسلمون كافة أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله- ومنذ توليه قيادة هذه البلاد حريص على استكمال ما بدأه والده المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه- ومن بعده أبناؤه الملوك الميامين: سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله، رحمهم الله جميعا، في توسعة الحرمين الشريفين، فد قام - حفظه الله- بنفسه بغسل جدار الكعبة المشرفة، وأشرف على مشروع رفع الطاقة الاستيعابية في المطاف، واطلع على المخططات الخاصة بمراحل عملية تنفيذ توسعة الحرم (التوسعة الثالثة) والإنجازات الخاصة بذلك.
كما أشرف -أيده الله- أيضا على خمسة مشروعات خاصة بتوسعة المسجد الحرام في مرحلته الثالثة، والتي تشمل الساحات والأنفاق والمبنى الخاص بالخدمات، بالإضافة إلى الطريق الدائري الأول.
وها هو - حفظه الله ورعاه- بجوار بيت الله الحرام في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك يشرف بنفسه -أيده الله- ومعه رجاله المخلصون من وزراء ومسئولين على ما يقدم من تسهيلات وخدمات ورعاية للزوار والمعتمرين..
نحمد الله على نعمة الأمن والاستقرار الذي تعيشه المملكة تحت حكمة قيادتنا الرشيدة، ونحمد الله تعالى أن أعان قادة هذه البلاد على القيام بما يجب عليهم أن يقوموا به تجاه إخوانهم المسلمين الذين يفدون إلى هذه الأرض المباركة من جميع أنحاء الأرض لأداء مناسك الحج والعمرة.
كما نحمد الله الذي وفق قيادة هذه البلاد على اتخاذ القرارات الحكيمة لتوسعة المسجد الحرام وإنشاء هذه المباني العظيمة، وعلى ما وصلت إليه هذه البلاد من تقدم، مكنها ولله الحمد من تنفيذ مشروعات بهذا المستوى من الرقي والإتقان إنفاذا لأوامر الله سبحانه بتطهير بيته وتهيئته للحاج والمعتمر..
إنها جهود خيرة تُذكر فتُشكر لجميع القائمين على هذه المشروعات في الأرض المقدسة، وبخاصة أولئك الأبطال رجال الأمن الأوفياء الذين يستعدون للتضحية بأرواحهم على ما يقدمونه من جهود في هذه المناسبة وفي غيرها من المناسبات، سواء في الحج أو العمرة من أجل راحة وطمأنينة ضيوف الرحمن وحفظ الأمن والاستقرار.
ولا يسعنا في هذه الأيام الطيبة المباركة إلا أن نتوجه لله تعالى بصادق الدعوات أن يوفق خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله وسائر قادتنا لما فيه خير أمتنا.. وأمن بلادنا.. فهو جل جلاله ولي ذلك والقادر عليه.