د.ثريا العريض
خلال الأيام الماضية كنت في رحلة عمل, لعلها بعد تعييني عضوة في الشورى قبل 3 سنوات ونصف السنة, أهم ما مر بي حتى الآن كمواطنة سعودية.
إذ كنت ضمن الوفد الإعلامي المرافق لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد في زيارته الرسمية للولايات المتحدة، ثم زيارة العاصمة الفرنسية لعقد اتفاقيات الاستثمار وبناء الاقتصاد القادم.
وأعترف بأنني في كل المؤتمرات والملتقيات التخصصية العديدة والاجتماعات التي شاركت فيها من قبل حول العالم؛ لنبحث قضايا محلية خاصة بمنطقة معينة أو قضايا تشترك فيها أطراف متباعدة، تتفاعل مصالحها الاقتصادية في بوتقة مشتركة, شعرت بمسؤولية ما أضيف إلى الحوار, ولكن ما شعرت به في هذه الرحلة التاريخية فاق ما سبق. رحلة تحاورت فيها مع العديد من المختصين والمتخصصين من الباحثين والمسؤولين والإعلاميين؛ لأوضح ضمن زملائي ليس فقط كسيدة مسؤولة في المملكة العربية السعودية عضوة كاملة العضوية في مجلس الشورى, بل أيضًا لأوضح - وهو الأهم والأقرب إلى اهتمامنا العام - منطلق وفحوى رؤية التحول الوطني، وأجيب عن أسئلتهم المستوضحة والمشككة حول إمكانية نجاح مثل هذا التطلع الطموح عبر البرامج التي تستوجب تجسيدها في مبادرات ومشاريع تنفيذية، تتقدم بها وتتحمل مسؤولية تنفيذها الجهات الرسمية، كما ستتحمل مسؤولية المتابعة على ما تحققه أو لا تحققه فيها. وعدا ذلك وجد بعض المختصين فرصة لمعرفة المزيد عن تفاصيل الداخل في المجتمع السعودي, وما نمر به ونحن نسعى جميعًا لمعالجة أوضاعنا، ثم لا تتفق الفئات ولا حتى الأفراد على سبيل الوصول.
كان ضمن توقعاتي أن قضية الأمن بكل محاور تداعياتها ومتعلقاتها في داخل الحدود وخارجها إقليميًّا ودوليًّا ستكون حاضرة على كل المستويات وكل خارطة التفاعلات الثنائية والانتماءات العامة في العالم، وأن قضية حقوق الإنسان - وبالذات المرأة - ستطرح من منطلقات ومفاهيم متعددة، وأن اتهامات حادة أو مترفقة ستوجَّه إلينا حول دور مناهج نظامنا التعليمي في زراعة التطرف والغلو في بلاد بعيدة عبر دعمنا المادي والمعنوي للمشاريع التعليمية فيها.
كل هذا طرح على طاولات الحوار؛ وكان لا بد من تقديم أجوبة ذات مصداقية مقنعة لأنفسنا وللسائلين.
ليس في الأمر خصوصية تربطنا بتوليد الشر أو الإرهاب، وليس لدينا رغبة سادية في الاستمتاع بالحروب, بل لدينا رغبة غامرة في تأكيد استقرار السلام والمستقبل الحاني على أبنائنا. ولا بد من حماية بلادنا وشبابنا من محاولات تجنيدهم لخدمة تدمير الوطن، ولا علاقة لنا كمجموع بالرغبة في تدمير الغير.
المملكة العربية السعودية تحمل إلى جانب مسؤوليتها للتطوير الذاتي مسؤولية القيام بخدمة الحرمين الشريفين كل عام، وهي مسؤولية جسيمة ومتصاعدة المتطلبات، تتشرف بها المملكة. ولكن البعض داخليًّا وخارجيًّا يحاول أن يحول هذا التشريف إلى عذر للتدخل في قرارات التطوير.
ما يحدث على أرض الواقع يستحق التأمل بتعمق وتناول القرارات في أطرها الزمنية والمكانية المتعددة، وفي ضوء تفهم الطموحات والتطلعات لكل الجهات المعنية لكي نستطيع تعديل إجراءات اتخاذ القرار المتعلق بالمشاريع محليًّا، والعلاقات خارجيًّا. لا يمكن أن تظل القرارات تتلكأ في مرحلة الدراسة حد التحجر، وتتدخل فيها المصالح الفئوية التي قد تفضل استمرار الحال على بناء الطاقات المحلية, أو الحزم في تطبيق القوانين الرسمية، متعذرة بخصوصية تمنع مجتمعيًّا التطور المطلوب لمواكبة المستجدات بفاعلية.
كمتخصصة في التخطيط الشامل وللمدى البعيد أسعد بملاحظة التغير في أسلوب صنع القرار, واعتماد الرؤية الشمولية لربط الخطط التنموية والمشاريع بالأهداف المستقبلية، وليس الضغوط الآنية للمصالح المختلفة.
وأقول: الحمد لله إذ أنعم علينا بروح قيادية واضحة الرؤية ومتضحة الهدف. نحن نرغب في تحقيق رؤية التحول ونجاح برامجها ووصولها إلى الأهداف التي يصنفها المحبون «طموحة»، ويتمناها الكارهون «غير قابلة للتحقق». وخلال هذا كله يتطلع المختصون والمتابعون لتفهم موقف اللاعبين الرئيسين بدءًا من القوى العظمى حتى القوى الإقليمية، ثم بقية الأطراف الداخلة في الصراع على صنع القرار القادم.
يسعدني تأمل اتساع أفق صاحب رؤية التحول؛ ليستوعب ضرورة مشاركة المواطنين المؤهلين في تحقيق طموحاتها, بناة وحماة ومخططين معه لمستقبل الوطن كما يتمناه. وبغض النظر عن التكهنات حول ما سيأتي به الغد القريب أو البعيد أعتز برؤية سمو الأمير وثقته بنفسه, وبقدرتنا كمواطنين على تحقيق الصعب المطلوب للبقاء، وليس السهل والمستحب.
أشكره وكل من اختارهم للعمل معه على تحقيق الرؤية وبرنامج التحول, وأقدر منحي كمواطنة شرف المشاركة في صناعة المستقبل.
وسأعود إليكم لاحقًا بتفاصيل ما قمنا به في هذه الرحلة التاريخية.
جعلنا الله وإياكم من العائدين السعيدين المستمتعين بثمار التحول.