رمضان جريدي العنزي
(الوالدان) سمفونية الروح، وتباريح الوجد، والشدو والإيحاء، والعشق والبوح، وانثيالات الحب، والتجليات المتعددة، والطهر والغمام، والعفاف والنقاء، وترانيم الصدق، وتراتيل الدعاء، والارتقاء والتكامل النفسي والحسي والمادي، وأريج العطر والتوحد والارتقاء والسمو، والبوح الروحي والأنس والهدوء، ونشيد الروح، هما الوهج الذي يسكن الأبدان، والفضاء المتسع، والعطر، والبخور والمبخرة، والساحة والظل والدار، والدثار السميك حينما يحل الجليد، هما الأمنية والمبتغى، والأنعتاق الروحي، والنقش والورد والشجر، وحياض الشوق، ونهر العطاء، ومصب الماء، وسلسبيل الذائقة، العيش معهما فردوس جنة، وجرعة حياة، وضوء ونافذة، شمعة الظلام، وكل الحيز والأشياء، هما الوالدين يسمعون أنفاسنا حتى الهزيع الأخير من الليل، ننام مثل الأجنة في البطون، ولا ينامان، يحرسانا من ذئب إذا عوى، ومن لسان إذا التوى، ومن جوع إلى بطوننا غدى، يشعلان لنا ضوء الحياة، أول من يفتح لنا الباب ، وآخر من يغلقه، هما المبتدى والمنحى، والشمس التي تشرق هناك، وتشرق هنا، هما الحنو، هما الصدى، هما الظل، والربيع، أو شبهما كيف تشاء، هما الغصون التي تزين الشجر، هما ضحكات الولادة، وضحكات الصبى، هما الفصول الأربعة، والتضاريس، والأمكنة، هما الفراشات بألوانها القزحية، هما النهر الذي يمضي، هما السفينة والمقود والربان والشراع، فكيف إذا وهن العظم منهما وصار الرأس أبيض، وجاء البغيض إليهما يزحف، ووجهه مثل حجر أسود، حشاش صغير، وقلبه بليد، أسنانه حادة، وروحه بغيضة، وظله ثقيل، والرأفة في جوفه ماتت، ولا عنده ضحكة مثل كل الشفاة البريئة، العقوق عنده سيد الفعل، وسيد المشهد، لا عنده أوسمة، ولا عنده سنابل، مخضباً بالنكد، أوغل في الدم الحرام، ترك ساطوره وسكينة على الباب وغادر، يا أيها الأفعى، والعقرب، والبذرة الفاسدة، كيف أحرقت القلب الأخضر وصيرته يابس؟،كيف ذبحت الجسد الحرام وصرت فيه غاطس؟، يا للزمن البائس، الحزن فيه غمام، والنكد فيه كثيف صحوا ومنام، أنا مازلت أجهل فلسفة هذا الغرس، الذي أحرق حديقة الورد، وحقل الحنطة، وسد ينبوع الماء، لقد أعياني التصور، وأعيتني الدهشة، من عبأ هذا العابث بالفعلة المرة؟ من عبأه بالأوهام، ومهد له الطريق بالحرير؟ من لوث عقله؟ من رسخ له الفكرة؟ من جعله ينام على علة؟ ويصحو على علة؟ من حوله من قنبرة إلى خفاش؟ من سوره بحائط الوهم؟ حتى تدحرج في البئالمظلم الذي بلا قاع؟ من زخرف له الحلم؟ من أغواه بالقصر والبلور؟ من خرب رأسه الصغير؟ وطحنه بالأفكار؟ وأضاء له الدهليز؟ من فتح له الباب؟ من أشعل فيه الجذوة؟ من جعل يده الآثمة تغتال أثمن إنسان؟ وأجمل إنسان؟ وأحنو إنسان؟ من ضحك عليه بأن ضوء الفجر مخبأ في عين الشمس؟ كيف مسهما بالضر وهما يتوكآن على عصا عمرهما الذابل؟ كيف اغتالهما هذا البائد؟ كيف جعله هوس الخطيئة يتجرد عنهما ويقاتل؟ كيف ضاجعة الشيطان ووسوس له بأن قتلهما بوابة العمر، ورحيق الأقحوان، والسندس؟ فتن تتناسل منذ عصفور، عقد سلسلة، ودائرة تدور، فصل انتكاس المسافة ما بيننا وبين الآخر، فصل مخاتل، طحالب نامت في تقاويمنا، واستحالت أمامنا سحالي، كلما أمعنا في تفاصيل هذا الفصل تضيق علينا المسافة والعبارة، فمن يقرأ هذه الحكايا الحزينة، سيفتح طريقاً إلى التأويل كثيرة، وسيقول بأن أجمل التقوايم هي التي عاشها أسلافنا الأولون، آآآه .. آآآه.. آآآه.. مسنا من هذا الغادر الضر والمر والوجع، وجعل الفؤاد محروقاً كسيراً وثائراً، خضب العشب الندي بالدم، حلل الحرام، أبدل ما كان معروفاً بمنكر، وأتقن فعل الرذيلة، ثم أنزوى في كهوف من ظلام، بعد أن نقش في جسوم الأبرياء كل أنواع العلل، كل ما في هذه الدنيا مثير كالأثير، غير أني لست أدري ما بنا، كل يوم نقوم مصدومين، يا رب.. رحمة من عند فأنت رب العالمين، والمستقدمين والمستأخرين.