د. أحمد الفراج
ذات زمن، وأثناء دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية، كان لي صديق عزيز، من إحدى الدول العربية، وكان نشطاً في المركز الإسلامي، في تلك المدينة الوادعة، في وسط شرق أمريكا، وبعد فترة، كبر أبناؤه وبناته، وأصبح يفكر كثيراً في العودة لبلده، فقلنا له ولم لا تعود، إن كانت هذه رغبتك، فقال إني أجد راحة كبيرة هنا، إذ إنني أمارس شعائري ونشاطاتي الدينية بكل حرية، ودون ضغوط، وعرفنا منه أنه كان مهدداً بالاعتقال في بلده، نظراً لنشاطاته مع تنظيم اسلاموي معروف، وغني عن القول إنه كان يمارس ذات النشاط بكل حرية، في أمريكا، مع فرع التنظيم هناك، وفي الأخير قرر أن يقيم في أمريكا، ولا زال هناك حتى يومنا هذا، والسبب في ذلك هي قيم «الليبرالية» الحقيقية، أي: «دعه يعمل.. دعه يمر»، فلولا هذه القيم الغربية، لما سمح ببناء المساجد، في كل الدول الغربية، وهذا يعني أن القيم الليبرالية، التي يشتمها المتأسلمون، هي سبب السماح للمسلمين ببناء مساجدهم في معظم المدن الغربية!!
مع بداية ما سمي بالصحوة هنا، كانت إحدى إستراتيجيات الحزبيين هي تشويه خصومهم، وخصوصاً المثقفين والوطنيين، وذلك لتخلو لهم المنابر للتجنيد لتنظيماتهم الحزبية، وقد كان مصطلح «الليبرالية» هو الوسيلة لحملة التشويه، فقد اتهم كل وطني، حتى ولو كان وزيراً بالدولة، بأنه ليبرالي، وحينها ألف أحد الوعاظ الحزبيين مطوية، سميت كتاباً من باب العبث، واتهم كل خصوم الحركيين بأنهم علمانيون وليبراليون، ولأن مجتمعنا كان بكراً، ولأن الحملة الحركية كانت قوية وعنيفة، فقد ارتبطت الليبرالية، عند الشعب المحافظ، بالانحلال والفجور وكل ما هو سيء، ولعلكم تذكرون صاحب تغريدات: «حدثني أحدهم»، والذي حدثه أحد أتباعه بأن زوج أخته الليبرالي يختلط، مع أصدقائه وزوجاتهم، في مسبح ليبرالي، ولو لم يكن من تلك التغريدة إلا أننا عرفنا أن المسابح صنفان: مسبح ليبرالي ومسبح إسلامي، ورغم كل حملات التوضيح، إلا أن عبارة :»الليبرالية» ترتبط بكل سوء.
من طرائف الحركيين وأتباعهم أنهم يخلطون بين «الليبرالية» و»الريبراية»، ولست أسخر هنا، فقد سمعت مصطلح «الريبرارية» من كثيرين من المغيبين، ما يعني جهلهم المطلق بمعنى «اللبرالية» الحقيقي، والحركيون، عن جهل وبخبث أحياناً، لا يريدون فك الارتباط بين الليبرالية والانحلال، لأن تهمة الليبرالية هي وسيلتهم لتشويه الخصوم، ولذا تجدهم يربطون سلوك كل شخص «منحل « بالليبرالية، والصواب أن هذه العينات «المنحلة»، والخالية من كل مبادئ وقيم، لا علاقة لها بالليبرالية الحقيقية، بل هي لأناس «ريبراريين»، هم أنفسهم، رغم انفتاحهم الاجتماعي، لا يفقهون معنى الليبرالية الحقة، فالليبرالية الحقيقية هي سبب تسامح الغرب مع المسلمين، وهي سبب السماح لهم ببناء المراكز والمساجد، وهي سبب معاقبة كل عنصري يتعرض لهم، وعندما يدافع الرئيس الأمريكي، أو الرئيس الفرنسي، أو رئيس وزراء كندا، عن الإسلام والمسلمين، فإنه ليس بالضرورة متعاطفاً معهم، بل يفعل ذلك تطبيقاً للقيم الليبرالية، فيا أخي المخدوع، لا يغرنك الحركيون، واعلم أن معظم المثقفين السعوديين الوطنيين يؤمنون بقيم الليبرالية الحقيقية، وليسوا «ريبراريين» منحلين، كما يحاول تصويرهم لك الحزبيون، من أصحاب البلبلة والولاءات الخارجية المشبوهة، فكن أخي على حذر!