واشنطن بوست - أمريكا:
الاثنين قبل الماضي وافق الذكرى المئة لما يسمى باتفاقية سايكس- بيكو وهي المناسبة التي حظيت ببعض الاهتمام من جانب مؤتمرات مراكز الأبحاث والمقالات الصحفية في واشنطن، ناهيك عن بيانات تنظيم داعش الذي يسيطر على مساحات واسعة في سوريا والعراق. مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو دبلوماسيين بريطاني وفرنسي اتفقا في 1916 على خطة سرية لتقسيم أراضي الإمبراطورية العثمانية التي كانت على وشك الانهيار أثناء الحرب العالمية الأولى. وكانت نتيجة الاتفاقية وبعد سنوات قليلة من المؤامرات الاستعمارية قيام دول سوريا والعراق والأردن ولبنان وهي الدول التي أصبحت في قلب الفوضى الدامية في الشرق الأوسط الحديث.
لقد أصبحت ذكرى اتفاقية سايكس-بيكو مناسبة للنقاش حول ما الذي كان يمكن ويجب القيام به للتعامل مع هذه الفوضى الراهنة بمجرد هزيمة تنظيم داعش عسكريا. هل يجب استمرار كل من سوريا والعراق بحدودهما الحالية وتحت أنظمة حكم مركزية، تبقي على المواطنين السنة والشيعة والأكراد وغيرهم من الأقليات العرقية الصغيرة والتي ظلت تحارب بعضها بعضا على مدى قرون معا؟ وماذا عن لبنان الذي أدت اتفاقيات تقاسم السلطة بين مكوناته المختلفة إلى ما يشبه الجمود السياسي؟
من الطبيعي أن أصحاب التفكير العقلاني يختلفون في الإجابة على هذه الأسئلة حيث يقول أحد الآراء واسعة الانتشار أنه يجب الإبقاء على سوريا والعراق كدولتين قوميتين. وبحسب هذا المعسكر فإن الدولتين كانتا كيانين متميزين وغالبا متنافسين حتى قبل ظهور اتفاقية سايكس- بيكو بوقت طويل. وطوال القرن الماضي طور شعبا البلدين ولاءات قومية تتجاوز الانتماء العرقي، ولذلك فإن أي محاولة لإعادة ترسيم الحدود ستؤدي إلى ظهور مشكلات أكثر مما ستقدم من حلول. وكتب ميشيل روبين الباحث في معهد «أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت الأمريكي إنه «لا توجد طريقة لتقسيم الحدود وإنشاء دول متجانسة.. ومجرد محاولة اختبار هذا الطرح يعني القيام بعمليات تطهير عرقي وطائفي». وهناك رأي آخر يقول إنه من الحماقة افتراض أنه يمكن إعادة تجميع دولتي سوريا أو العراق كما كانتا عليه قبل انهيار الأنظمة السياسية فيها. فقادة كردستان العراق يبدون تصميما قويا على المضي قدما في طريق الاستقلال رغم اختلافهم حول ما إذا كان يجب أن يسعوا إلى الاستقلال بسرعة أم ببطء.
وكتب مسرور برزاني رئيس مجلس الأمن الكردستاني في مقال بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية مؤخرا يقول إن «العراق يمثل حالة فشل لمفهوم الدولة، لأنه عبارة عن مجموعة من البشر لا تجمعهم قواسم مشتركة كثيرة ويتقاسمون مستقبلا غامضا». من ناحيته جعل تنظيم داعش الإرهابي إزالة الحدود بين سوريا والعراق والتي تفصل بين مناطق تجمع السنة في البلدين أحد مبادئه الفكرية الرئيسية.
ويقول بعض القادة والمفكرين العرب إنه على الغرب أن يظل خارج هذا النقاش لآن السيد سايكس والسيد بيكو وأحفادهما الاستعماريين وصولا إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن ألحقوا بالعرب من الخسائر الشيء الكثير. في المقابل هناك تيار آخر يرى أن المنطقة تحتاج إلى تدخل أجنبي لكي تحظى بالاستقرار، على ألا يكون التدخل في صورة غزو غربي جديد وإنما يمكن أن يكون وصاية من جانب الأمم المتحدة، كتلك التي حدثت في عدة مناطق من يوغوسلافيا عقب حروب التقسيم التي شهدتها هذه الدولة السابقة.
يقول بهي الدين حسن الناشط المصري في مجال حقوق الإنسان إن «الحلول التقليدية لم تعد تصلح لمشكلات المنطقة.. وبعض الدول غير مؤهلة بطبيعة شعوبها الآن لكي تدير شؤونها».
- جاكسون دايهل