إن الأفكار هي قوالب تحتفظ بنوع خاص من التصورات ونكهات لا نهائية من الانطباعات وهي فضاء لا محدود وقنوات ممتدة تربطك بشكل مذهل وغير متصور إطلاقا بكل موجودات هذا الكون؛ أشخاصا وأشياء, فكم هو عدد المرات التي فكرت فيها بشخص ما وإذا به يتصل بك؟ وكم من مرة استدعيت تصور مرض معين/ حادث سيارة فإذا به يصيبك؟ إنك في إرسال واستقبال دائم لعشرات بل لمئات الأفكار في يومك وليلتك! فهل تساءلت في يوم من تلك الأيام أو في ليلة من تلك الليالي؛ عن ماهيّة تلك الأفكار التي ترسلها أو تستقبلها؟ وهل رقّ لديك الإحساس وتكاثف فيك الوعي فأصبحت تميز بأن هذه الفكرة أو تلك؛ ليست من تفكيرك وإنما هي من جارك الذي يجلس بجوارك سواء كان زميلا في عمل أو مصلٍّ بجانبك في مسجد؟ وحتى نقرب الصورة أكثر فلنتصور بأن الأفكار هي فضاء وأنت توجد فيه؛ بالضبط كما الطائرة التي تسبح في الفضاء, فأنت روح في جسد يقوم برحلة ويسبح في فضاء الأفكار ولك أن تتصور ماذا يمكن أن يدعمك من الأفكار ويساندك؟ وأيضا ماذا يمكن أن تصطدم به؛ ويصطدم بك -من الأفكار- وأنت في هذه الرحلة؟ وهنا يكون الفارق بين الإنسان الواعي وغير الواعي بأن الأول سيُفعِّل مهارات متقدمة في قيادة نفسه مقللا قدر وعيه من الاصطدام فيما يمكن أن يقطعه أو يؤذيه من الأفكار وفي المقابل سيستكثر مما ينفعه ويزيده نورا وسلاما وسكينة وحبا أما الثاني فإنك ستجده كما الريشة في مهب الريح كثير الاصطدام بصخور الألم ونيازك المعاناة ومتكرر الشكوى ومنحبس في الماضي ولا يحسن أن يعيش لحظته وبعيد كل البعد عن حقول السلام والحب والنور والفرح.
ومما يحسن بنا ونحن في هذه التجربة الحياتية التي نحياها أن نتقي الأفكار المليئة بالخيابة؛ نعم تلك الأفكار سوداوية اللون والميّالة نحو التشدد والمبالغة والتعقيد دينيا واجتماعيا ونفسيا وأسريا وماليا ومما لا شك فيه بأننا نستطيع فعل ذلك فكما أننا نستطيع الاتقاء من رشات الأمطار وأشعة الشمس فكذلك الأمر نفسه مع الأفكار وإن كان الأمر يستلزم بعض الجهد وإتقان بعض المهارات ولكن من سار على الطريق هيئت له الطريق والمجاهدة تستلزم الهداية قال المولى سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
ومما أحب أن أؤكد عليه في نفس السياق والمثال, أن الواحد منا يدرك بأن نزول المطر عليه لا يعني أنه هو المطر وإن أصابه منه شيء, ولا الشمس كذلك هي أنت حتى وإن مستك أشعتها وكذلك الأمر بالنسبة للأفكار لا بد أن تعي بأنك لست أنت أفكارك حتى وإن غزتك بعض الأفكار وألحت عليك بشكل أو بآخر!! نعم أنت أعلى وأكبر وأجلّ من كل شيء فأنت روح مصدرها إلهي ورسالتها سامية ومعناها كبير ولذلك عندما تأتيك بعض الأفكار هي بالضبط كما تأتيك أشعة الشمس أو رشات المطر والمطلوب منك أن تبتعد عنها كما أنك تبتعد عن أشعة الشمس أو تستظل عن المطر هكذا بكل هدوء وبعيدا عن الصراع حيث لم يذكر لنا بأن أحد تصارع مع الشمس وأشعتها حتى لا تصيبه بل إنه يعرض عنها ويبحث عن حلول لتجنبها بصمت وهدوء, وهكذا الأمر مع الأفكار قل لها بهدوء وصمت: أنا لست أفكاري ثم راقب تلك الفكرة وكن واعيا بها دون إنشاء دراما معها أي بلا تفاعل في تتبعها وعندها هي ستضمحل وتبحث عن شخص آخر يقبل بها وتتفاعل معه وتدخله في نفقها المظلم. إننا نرغب بالتمييز ونحن نتحدث عن الأفكار بين نوعين منها الأول: تلك الأفكار الإيجابية النورانية التي تحثك وتلهمك على الاستزادة والامتلاء من كل شيء جميل وسام والنوع الثاني هو تلك الأفكار السلبية الظلامية التي تساهم بجرك إلى القاع وتعرقل مسيرك وتشوش عليك سكينتك وتشغلك إما في أحداث الماضي أو تقلقك في سيناريوهات المستقبل. ولذلك من الجميل والرائع ونحن في تجربتنا الأرضية هذه أن نكون أقوياء في أفكارنا فيما يخدم فكرة وجودنا في هذا الوجود فنحن وجدنا للعمارة والبناء لا لتبني الأفكار غير النافعة كأفكار التدمير بأنواعه والتفجير والتكفير والتعقيد والتكبر والتعجرف والتشاوف والانتقام, إن من القوة المطلوبة لك أيها الخليفة في الأرض أن تكون قويا في أفكارك ومشاعرك وجسدك وها هو يقف لنا أحد نصوص رسول القوة والسلام والجمال سيدي محمد عليه الصلاة والسلام حيث يقول: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز...) فإن أردت الخيرية عند الله وإن أردت الحب من الله في أحد أوجهها فكن قويا في أفكارك يا مركز الكون نعم أنت؛ أنت أيها الإنسان.