د. محمد بن يحيى الفال
بعد ما يقارب من الأربعة أشهر وتحديداً منذ العاشر من يناير 2016 حيث نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً مليئاً بالأكاذيب والتُرهات في صفحة الرأي بالصحيفة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، يتهم فيه المملكة برعاية التطرف، لتعود الصحيفة لنشر افتتاحية لها بعنوان «العالم يحصد ما زرع السعوديون»، وذلك في السابع والعشرين من شهر مايو المنصرم، وفيما يبدو وكأنه أمر دبر بليل وبتنسيق مسبق مع قيادة الملالي في طهران وبتوقيت لا يغيب عن متابع، وبعد رفض وفد الملالي التوقيع على محضر الترتيبات الخاصة بالحجاج الإيرانيين والمعمول بها مع كل الدول. ولم تكن افتتاحية الصحيفة كما هو الحال مع مقال ظريف سوى سلسلة من الأكاذيب المفبركة، المثيرة للشفقة، ولا يمكن لعاقل تصديقها بأي حال من الأحوال. في افتتاحيتها المغرضة والمضحكة في الوقت نفسه، تدعي نيويورك تايمز ونقلاً عن مقالة نشرتها صحيفة التايمز اللندنية بقلم مراسلتها كارلوتا غال (Carlotta Gall) من كوسفو بأن ما يقارب 314 من هذه الجمهورية البلقانية الصغيرة انضموا إلى ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، وبأن السبب الرئيس من وراء ذلك هو الأفكار المتطرفة والمتشددة لأئمة هذه الجمهورية والذين تأثروا بالمذهب الوهابي وأثروا فيها على هؤلاء المنضمين تحت لواء التنظيم، وذلك نقلاً عن مسئولين حكوميين من جمهورية كوسوفو. ولتعود الصحيفة وفي الافتتاحية نفسها لتقول إنه ليس هناك أدلة واضحة على تمويل مالي لهؤلاء الأئمة من قبل المملكة، وبأن المملكة نفسها تعرضت لـ20 هجوماً إرهابياً من قبل تنظيم الدولة منذ عام 2014، ليصبح القارئ أمام ملهاة مضحكة تتلخص في أنه بعد أن صعب على بعض وسائل الإعلام الغربية ربط الهجمات الإرهابية بالتمويل السعودي، هاهم الآن يتجهون في محاولة يائسة لربطها بالأفكار، وهو أمر لا يستقيم أبداً ولم يكن جديراً بصحيفة مثل نيويورك تايمز معروفة بخطها التحريري الحر، والذي لا ينظر أو يميز بين الناس بسبب أفكارهم أو ديانتهم أو خلفياتهم الثقافية.
ولعل ما يلفت الانتباه في افتتاحية نيويورك تايمز هو أن الصحفية أضحت خبيرة فيما يبدو في مكامن الفقه الإسلامي، حيث جاء في الافتتاحية بأن شعب كوسوفو عاش لقرون معتنقاً للمذهب الحنفي الذي يحث ويحض على التسامح والسلم، وبأنه لم يقوض هذا السلم الأهلي للمجتمع الكوسوفي سوى قدوم المذهب الوهابي المتشدد الذي لا يؤمن بالتعايش مع الآخر المختلف. عليه فعلى فقيه نيويورك تايمز أن يعلم بأنه ليس هناك مذهب وهابي، لا في المملكة ولا في غيرها. فالمملكة العربية السعودية تتبع المذهب الحنبلي، والمذاهب الإسلامية السنية الأربعة تدرس وتتلمذ أمتهم على بعضهم البعض أو على تلاميذهم وهي مذاهب متفق على الأصول واختلافاتها ليست إلا في بعض الفروع، ولمعلومية الصحيفة ولوسائل الإعلام الغربية فليس هناك مذهب وهابي، بل هو أمر يحاول المغرضون الحاقدون التسويق له وتحاول وسائل الإعلام خصوصاً الغربية دعم هذه الصورة المختلقة المجافية للحقيقة، وهو أمر من عادات وسائل الإعلام التي تحاول خلق صورة مختلقة بعيدة كل البعد عن الواقع في سبيلها للإثارة التي هي أحد مصادر صناعة الإعلام، فالشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله وجزاه عن أمته كل خير - رجل دين إصلاحي حنبلي المذهب كانت رسالته تتلخص بالعودة لمنهج الدين الصحيح التي دعت إليه الرسالة المحمدية التي دعت في أهم أصولها إلى نقاء عقيدة التوحيد وتنقيتها من الشوائب والشركيات التي لحقت بها. والشيخ - رحمه الله - سيبقي الدور الذي قام به في خدمة دين الله محل تقدير الغالبية العظمى من المسلمين في كل بقاع العالم. وأما محاولة الصحيفة وغيرها من وسائل الإعلام الأمريكية والغربية بالربط بين الجرائم الإرهابية وخلفية منفذيها الدينية لهو أمر مستهجن ولم يعد ينطلي على أحد، وكما كان منفذو هجمات الحادي عشر من سبتمبر من العرب المسلمين منهم خمسة عشراً سعودياً، لا يعني مطلقاً بأن السعوديين والعرب والمسلمين إرهابيون وبأنهم ليسوا إلا أشراراً يتربصون بالغرب للقضاء عليه، بينما الواقع على الأرض يؤكد أن من قام بالهجمات الشريرة في الحادي عشر من سبتمبر لا يمثلون إلا أنفسهم، والدين الإسلامي منهم براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وكما هو الحال في براءة الأمريكيين من جريمة تيموثي مكافي ابن المؤسسة العسكرية الأمريكية والحائزة على وسام القلب الوردي لشجاعته (Purple Heart)، والذي اقترف هو الآخر جريمة نكراء تمثلت في تفجره لمبني ألفريد مورا بمدينة أوكلاهوما سيتي في 19 أبريل 1995 وأسفر عن مقتل 168 نفساً برئية، وجريمة النرويجي اندريس بريفيك والذي لا يمثل مطلقاً غالبية الشعب النرويجي المسالم، جريمته البشعة أزهقت أرواح 68 من الأرواح البريئة، فالإرهاب كما كانت رسالة المملكة وقيادتها للعالم بأنه لا دين ولا مذهب له.
وكما جاء عنوان صحيفة نيويورك تايمز بأن العالم يحصد ما زرعته المملكة، فالرد على الصحيفة نعم أنها تزرع الخير وعليها أن تعود لأرشيفها وقاعدة بيانتها لترى ما زرعته المملكة من خير في كل أرجاء المعمورة بحوالي عشرة ملايين فرصة عمل يشغلها مواطنو مائة دولة من دولة العالم أو أكثر، وبمئات المليارات من الحوالات السنوية لبلدانهم وعائلتهم وبدون قيود أو ضرائب على هذه الحوالات. المملكة عضو مؤسس لمنظمة الأمم المتحدة، جامعة الدول العربية، منظمة التعاون الإسلامي وبنكها الإسلامي الذي تعد المملكة أكبر مساهم فيه ويقدم قروضاً ضخمة للدول الإسلامية الفقيرة التي نهبها الاستعمار، وتسهم بسخاء منقطع النظير في مكافحة الجوع والمرض والجهل في أرجاء العالم بمساهمات لا نظير لها في كل المنظمات الدولية ذات الصلة. وتقدم مئات الملايين من الدولارات لدعم اللاجئين والمنظمات التي ترعاهم ويبقى دعمها هو بعد الله من وراء قدرة هذه المنظمات على الوفاء بالتزاماتها لهؤلاء اللاجئين ومنهم على سبيل المثال منظمة الأمم المتحدة لرعاية اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا)، والتي أنشئت لرعاية هؤلاء اللاجئين الذين عجز المجتمع الدولي منذ أكثر من ستين عاماً لإيجاد حل لقضيتهم، والتي سعت المملكة جادة من أجل تحقيق حل سلمي والمتمثل في المبادرة العربية التي وافقت عليها قمة بيروت العربية عام 2003، والتي وصفها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في بداية عهدته الأولى بأنها مبادرة من الغباء على إسرائيل أن ترفضها، وهي المبادرة وكما معروف شهرت أحد كتاب صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان. على كل حال إذا كان كل هذا الخير الذي زرعته المملكة في كل أرجاء المعمورة لا يتواجد في أرشيف نيويورك تايمز والذي لا يتسع هذا المقال لذكره، فلعلها تطلبه من أي جهة عالمية أخرى محايدة.
ختاماً ولتذكير صحيفة نيويورك تايمز فإن المملكة لم تفجر مقر السفارة الأمريكية ومقر مشاة البحرية الأمريكية (المارينز)، في بيروت عام 1983 وأسفر التفجران عن مقتل 362 من الأمريكيين ومئات الجرحي، ولم تكن مسئولة عن احتجاز 52 من مسئولي السفارة الأمريكية في طهران عام 1979واحتجزتهم لمدة 444 يوماً، ولم تكن مسئولة مؤخراً عن احتجاز بحارة أمريكيين ضلوا طريقهم في مياه الخليج العربي وصورتهم بطريقة مذلة. رسالة أخير لنيويورك تايمز وهي أن الزبد يذهب هباء وأما ما ينفع الناس فسيبقى في الأرض.