قاسم حول
المخرج السينمائي»سمير أصلان يورك» مخرج سينمائي تركي من أصول سورية يحظى باهتمام المؤسسات الثقافية التركية الداعمة، ويملك من وضوح الرؤية في أعماله السينمائية ما يجعله في المقدمة من الثقافة السينمائية، وكان ذلك واضحاً من خلال فيلمه قبل الأخير «الباحات السبع» وهو على ما يبدو مولع بالحكايات القصيرة التي تشكل بمجموعها نمط الفيلم الطويل و»ثيمته» الأساسية.
ومثلما شاهدنا له فيلم «الباحات السبع» الذي يضم عددا من الحكايات يلجأ مرة ثانية في فيلمه الجديد «الفوضى» الذي انتهى من تصويره ودخل عملية المونتاج، إلى ثلاث حكايات تشكل محور الفيلم وتلتقي في فكرة واحدة، فكرة الفوضى السائدة في الحياة وفي دواخل الإنسان – أيضا - حين الإنسان يكون قاتلا ومتسلطاً وجبروتياً، وفي لحظة الانهيار يبدأ الشعور بالندم، لكن الندم لا يتطابق مع حجم الجريمة. وفيلم «الفوضى» هذا هو الفيلم الثامن في مسيرة سمير أصلان يورك من ستة أفلام روائية وفيلمين وثائقيين.
كما أن فيلم الفوضى واحد من ثلاثية، ثلاثة أفلام روائية، الأول، «الشلال» أخرجه سنة 2001 وتدور أحداثه في حقبة تركيا الحديثة، والثاني «الطريق إلى البيت» أخرجه سنة 2006 وتدور أحداثه في حقبة الإمبراطورية التركية، والثالث «الفوضى» وهو الفيلم الجديد 2016م.
تجري أحداث فيلم «الفوضى» في الثلاثينات من القرن العشرين، حين خضعت المنطقة إلى الاستعمار الفرنسي. وكان الفرنسيون لا يعيرون أية أهمية في كل الأحداث الاجتماعية في سوريا ولبنان وأنطاكيا سوى تلك الأحداث التي تمس متن الجيش الفرنسي والحاكم الفرنسي، تاركا كل الأحداث والمشكلات الاجتماعية كي تحلها الإقطاعيات والعشائر. ويتألف الفيلم من ثلاث حكايات متداخلة لثلاثة أشخاص من القتلة، لجأوا إلى مغارة وبقوا محاصرين فيها، وكانوا قد دخلوا المغارة ليس بسبب الاختفاء هربا من القانون، بل بسبب عاصفة عصفت في المنطقة ما جعلهم يختبئون بها.
الشخصيات الثلاث نفذ كل واحد منهم جريمة في مجتمعه، الشخص الأول هو ابن حلاق وكان قد قتل حسن الأغا لأن حسن الأغا قتل جده، وسبق لحسن الأغا قد جاء ليحلق ذقنه عند أبيه، ولكن الأب لم يأخذ بالثأر فتركه حراً، ما حدا بالابن ليقوم بفعل الجريمة فهرب، وحين دهمته العاصفة لجأ إلى المغارة. القصة الثانية هي قصة «الشيخ عبد الله» وهو يسكن في مزار يقيم فيه تسعة عميان. وذات يوم قتل الشيخ عبد الله رئيس عصابة من العصابات التي تنتشر في المنطقة، فراحت العصابة تنتقم من أهل القرية ما حدا بالأهالي للهجرة للمدينة وكان بين الأهالي تسعة عميان. وفي طريق هجرة الشيخ مع العميان، يقرر الهرب بمفرده، وبقي العميان لا يعرفون الطريق، وبدأ الخلاف بينهم بصدد الوجهة التي يتوجهون إليها، لحين يتركون القرار للحمار الذي ربطهم الشيخ عبد الله به، وصار الحمار هو الذي يقرر مسارهم، فيعود بهم الحمار دون أن يعرفوا للمزار الذي كانوا يعيشون فيه، فيقوم رجال العصابة بقتلهم انتقاما لرئيسهم، فيما يواصل الشيخ هروبه ومع اشتداد العاصفة يلجأ للمغارة!.
الحكاية الثالثة، هي حكاية رجل ذهب للحرب، وغاب مدة ثلاثين عاما، بقيت زوجته تنتظر وتنتظر، ويوم عاد للمنزل طالباً الطعام دون أن يعرف بنفسه، قدمت له الزوجة الطعام. وعندما تعرفت عليه أنه زوجها وتأكدت من ذلك يطلب منها ممارسة الحب، وبدلا من حنان العلاقة يقوم بفعل الاغتصاب ليتأكد مدى استسلامها لهذا الفعل، يريد أن يختبر موقفها وصمودها أمام اغتصاب الغريب. يستسلم لنومة عميقة وكذا الزوجة ، وحين يصحو ويراها نائمة بجواره ينظر إليها كزوجة خائنة فيخنقها ويهرب، فتواجهه العاصفة ويلجأ للمغارة، وهكذا يجتمع القتلة الثلاثة! ومن خلالهم نرى الحكايات!
نستنتج مضمون هذه الفيلم الروائي الجديد، المتمثل في عدم إلقاء تبعة الفعل الجريمي على الشيطان المجرد، لأن الشيطان هو بداخل الإنسان ساكنا مثل ما تسكن الفطرة السوية في ذات الإنسان، والشخص هو الذي يختار فعل الخير والهدوء والسكينة أو يختار فعل الجريمة والفوضى التي تودي به نحو مصير مجهول.
بعد كل فيلم يحظى سمير أصلان يورك بفرصة لدعم أعماله السينمائية من وزارة الثقافة التركية وجهات أخرى داعمة، وهو مخرج ذو نهج ملتزم وجاد في معالجة الواقع وتحظى أفلامه بعمق الرؤية وعدم الخضوع لمغريات شباك التذاكر، وهذا ما يجعل وزارة الثقافة التركية تنظر إليه كعينة ثقافية في مسار الثقافة التركية والثقافة السينمائية. ولذلك دخلت بلدية أنطاكيا في دعم هذا الإنتاج إضافة إلى ما قدمته بشكل أساس وزارة الثقافة التركية، فشكلت ميزانية الفيلم ما يقرب المليون دولار.
سيكون العرض الأول للفيلم كما صرح المخرج لصحيفة «الجزيرة» في مسابقة مهرجان زاكورة السينمائي عبر الصحراء في المملكة المغربية، وبعد العرض الأول سوف يأخذ مكانه في مهرجانات أخرى، وبعدها في العروض التجارية في صالات السينما التركية.
طول الفيلم – 100 دقيقة
عدد الممثلين: 18 ممثلا رئيسا، مع 30 دورا (ثانويا)
المصور: يوسف أصلان يورك
إنتاج: سمير أصلان يورك وثامر جيجك
سيناريو وإخراج: سمير أصلان يورك
يشارك في هذا الفيلم في مدته ساعة وأربعين دقيقة، ثمانية عشر ممثلا كأدوار. رئيسية من الممثلين المحترفين الأتراك وبعضهم من أصول عربية، وكذلك ثلاثين ممثلا كأدوار ثانوية.