وهب الله الإِنسان العقل والإدراك، وفضله على كثيراً من خلقه، حتى يميّز بين الخبيث والطيب، وبين الخير والشر، وقد أرسل الله نبينا محمد عليه الصلاة والسلام مبشراً ونذيرا، يدعو إلى الله، وينهى عن معصيته، وجاء بآيات بينات أنزلت في القرآن الكريم، تذكرنا بالجنة والنار، وتحذرنا من شر الفتن، ومن خطورتها وعظمتها، وبين ما هو موقف الإسلام منها وما هو أيضاً واجب على المؤمن تجاه الفتن.
ما ترك شيئاً عليه الصلاة والسلام في رسالته إلا وقد أخبر عنه، حتى جعل الإسلام صورة واضحة لنا، لا تشوبها شائبة. قال في آخر خطبة له عليه الصلاة والسلام، قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أكملتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا}، نشهد بأنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد.
ومما حذرنا منه عليه الصلاة والسلام، الفتن، وعن خطورتها وما هو موقف المسلم منها. حيث إن أعظم الفتن هي الشرك بالله كما جاء في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، أي حتى لا يكون شرك، وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإخراج أَهْلِهِ مِنْهُ أكبر عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أكبر مِنَ الْقَتْلِ}، وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}. والفتن قد تكون في الدين وفي المال وفي الولد وفي المذاهب، وعلى اختلافها فهي بنوعين، النوع الأول: «فتن الشبهات» وتكون في الدين والعقيدة، والنوع الثاني: فتن الشهوات وتكون في السلوك والملذات والأخلاق. قال - صلى الله عليه وسلَّم - لأصحابه: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»، فالواجب على المسلم من هذه الفتن: أنه يكون على ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، ويلزم ذلك ويصبر عليه، ويكون على سنته وعلى طريق أصحابه، هذا فيه النجاة من الفتن، وهذا موقف المسلم من الفتن أنه لا ينخدع ولا ينجرف معها، وإنما يبقى على دينه، ويصبر عليه. ومن المنجيات أيضاً من الفتن: أن يلزم المسلم جماعة المسلمين وإمام المسلمين، فيكون معهم ويبتعد عن الفرق المخالفة، وأن نعمل بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأمر مِنْكُمْ فإنَّ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.
ولا يخفي على الجميع بأننا الآن نعيش في زمان الفتن، نستعيذ بالله من شرها، ونرجوه أن يجنبنا وبلاد المسلمين منها، وما كان يخبرنا عليه الصلاة والسلام، عن الفتن نشاهده الآن، كما جاء في قوله: (يأتي زمانٌ على أمتي القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار)، فحرياً بنا أن نكون صفاً واحداً تجاه عدونا، وأن نطيع ولي أمرنا، وأن نترك الخوض في حديث لا يحقق الغاية المنشودة سوى أنه يسبب الفرقة والضغينة بين المسلمين.
أسأل الله أن يحفظنا وأن يحفظ بلاد المسلمين من كل شر، وأن يكفينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
- باحث في الشؤون الاجتماعية